تهويمات في الساعة الهامدة من الليل.. شامة الدنيا

فايز حميدي | أديب فلسطيني مغترب 

-١-
يقول فتى الآلام الدمشقي :
منذ ألف عام ونيف
غصن يقارع الريح
في طوفانه الواهف بين الرجاء والوهم
ونصل الليل وحش أزرق الأنياب
لملمت يا أمي ما تبقى من فتات الروح
وناديت في أطلال الخرائب والمدن الحزينة
إدن مني أيتها الغمامة
يا آخر الأحلام في بلاد العرب
يا حمامة الوداع تعالي ونامي
في بيت الطيني الضيق
أنا الحاذق يا جارة القمر وحقولي سنابل
وفي كفي نجابة التاريخ ووهج المسافة
عيناي زرقاء اليمامة ونبوءة قبطان
ولي فراسة القيافة ..
وجبيني جرح ونخيل
ولساني يمامة مخنوقة الهديل
يا تاريخا يرقص في الهاوية ..

-٢-
وتعوي الريح في صحارى الروح
يا زمن الفجيعة
دوما هو الطاغية
رقشاء تغير جلدها
يتحصن في الظل القادم من الجذور
ويهيج الضباع في الذاكرة
ويزرع الفتنة في المفاصل
ويشعل السيوف في الأشلاء
والطرقات
والأحياء
وحقول الكلمات
والأرض الحزينة
وتصبح البلاد امرأة تطرح بالمزاد
طريدة لقراصنة العصر
بين الحلم والبكاء تقص الحكايات
تستصرخ التاريخ ..والنيل والفرات
تعانق الغربة
وتستنشق الجمر
آه يا دمشق
مثل النعوش الخاوية في الليالي العاتمة
يا انكسار الكلمات وهرم اللغات
بلاد تنفي أهلها
وأفئدة يقتلها الضياع والانتظار
يا أسا عميقا كالبحر
وفوق سهول الكلمات بلون الجمر
تترك البلاد سفينة للجرح
هي ساعة الصمت والقصيدة والولادة

-٣-
يا عابر السبيل هي واحدة :
الكفن …أو ذل الخضوع
هم الطغاة
يجهلون ما تقوله الأمواج للشواطئ
والنسمة الخالقة لجسد الأرض
أيها البغاة :
يا رغوة البحر في الزمن العابر
وصخب الأصوات المبهمة
يا زبدا من الأضواء المنثور
يا شامة الدنيا :
يا غيثا يغسل الأنقاض والنهار
والأزهار الهاربة والخزامى
يا شمسا مقصوصة الأهداب ..
يا درة الشرق :
يا بلاداً سرت بالدم حنطتها
تتسعين لغابة من الغزاة
وتضيقين بكلمة
تتسعين لذئاب هم الرعاة
وتضيقين بكلمة
تتسعين لبرك الدم والدموع
وتضيقين بكلمة
تتسعين لأندلس الأعماق
وتضيقين بكلمة
يا صمتاً مسكونا بالتوجس ..
يا دمشق :
يا فرسا يزهر بالحلم
وفارسا يملئة الحنين
يا عبق الندى والتراب
ما زلتي – يا أماه – مملكة للضوء
وأكليلا للغار ..وغابة للصباح ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى