قداسة الرأي في المشاورة والتكامل لا المخالفة والمعاندة

خالد رمضان | تربوي مصري – سلطنة عمان
    خلق الله – سبحانه وتعالى – بني ٱدمَ، وكرّمهم بالعقلِ، وفضّلهم به، وبالتكليفِ على سائر المخلوقاتِ، وجعل بين تلك العقولِ تفاوتًا، وتباينًا ملحوظا.

   وما ذلك التفاوتُ إلاّ لصالحِهم، وقضاءِ حوائجِهم. فالناسُ جميعًا من عُربٍ ومن عجمٍ بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدَمٌ، والعقلُ وعاءُ الفكرِ، وقائدُ صاحبِه إلى ما يُحمَدُ، أو ما لا يُحمَدُ عُقباهُ، ولكن هذا العقلَ ليس مقدّسًا، فهو خَلقٌ من خلق الله يُخطئ ويُصيبُ، يمدحُ، ويقدحُ، ونحن لسنا معصومين، ولا عن الخطأ مُنزّهين، فلا نحن أنبياءُ ، ولا مُرسلون.
    يقول الإمامُ الشافعيُّ: رأيي خطأ يحتملُ الصوابَ، ورأي الٱخرين صوابٌ يحتملُ الخطأ، ويقولُ: إذا رأيتم قولي يخالفُ النصَّ فاضربوا بقولي عُرضَ الحائطِ، ثم تجدُ من يقولُ لك: أنا لا أخطئُ، وعقلي يُوزنُ بالذهبِ.
تأملْ موقفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوةِ بدر حينما نزل على رأي شخصٍ عادي من جيش المسلمين يُسمى الحُبابَ الذي أشار عليه صلى الله عليه وسلم أن ينزلَ الجيشُ عند بئرِ بدرٍ، فيشربُ المسلمون ولا يشربون، ويسقون إبلَهم ولا يسقون ، فنزل النبيُّ على رأيه. وما رد النبي – صلى الله عليه وسلم – رأيه، ولا نهرَهُ، وهو رسولُ الله.
    فكيف بمن يخرجون علينا، وينصّبون أنفسهم وصاةَ على الناسِ، فيسمون أنفسَهم بالصفوةِ، ويقولون: بنا الناسُ مُقتدون، وعلى خطانا سائرون .
  لقد خطّأت امرأةٌ عمر بنَ الخطابِ رضي اللّه عنه، فنزل على رأيها وقال: أخطأ عمرُ، وأصابت امرأة، وإن كان هناك كلامٌ في الرواية .
   وهذا الإمامُ مالكُ يعترفُ بإصابةِ الشافعي تلميذِه حينما قال للرجل المستفتي أستاذَه في وقوع الطلاق على زوجتِه التي قال لها: أنتِ طالقٌ إن لم تكوني أجملَ من القمر ، فأفتاه الإمامُ بوقوع الطلاقِ لأن القمرَ أجملُ بلا جدال.
   لكن الشافعي كان له رأيٌ ٱخرٌ ، وأن زوجتَه أجمل من القمر، لقول الله تعالى: “لقد خلقنا الإنسانَ في أحسن تقويم”،وبذلك لم يقعْ الطلاقُ، فقال الإمامُ: أخطأ مالك، وأصاب الشافعي. فليس عيبًا أن يخطئَ الإنسانُ، فلا كرامةَ إلا لوليٌّ ، ولا عصمةَ إلا لنبيٌّ .
    وأختمُ بهذه القصةِ، حيث أُقيمت مسابقةٌ للرسم في الهند، ورشّحت لجنةُ التحكيمِ فائزًا بالمركز الأول لفنان كبيرٍ رسم لوحةً لعودٍ من القمحِ يحملُ عصفورا على اعتبارِ أن هذا رمزٌ للحياة، فمرّ فلاحٌ بسيطٌ وهدمَ ما فعلوه حيث قال : هذا لا يجوزُ ، إذ كيف لعود القمحِ الضعيفِ أن يحملَ ذلك العصفورَ؟ واقتنعت اللجنةُ برأيه .
    الخطأ طريقُ الصوابِ، فلا تكُ بعينٍ واحدة ٍ فترى نصفَ الحقيقةِ فقط، واستمع إلى الرأي الٱخرِ، فلا تفرض قولاً ، ولا تصادرْ فكرًا ، ولا تحقرْ عقلاً ، واجعلْ هدَفَك الوصولَ للصوابِ، فحينما ترى عالمًا جانبَه الصوابُ فلا تسخرْ منه، ولا تشهّرْ به، واعلم أن لكل جوادٍ كبوةً، وأن لكل نارٍ خبوةً ، وأن لكل عالمٍ هفوةً ، وأن لكل صارمٍ نبوةً .
    وفي الأخير أقول: فكّرْ – ولو مرةً – بعقل غيرِك، وانتقدْ وخالف هواكَ، وعقلَك، وضعْ نفسك موضعَ غيرك، وقتها تكونُ قد أنصفت، وحالفك الصواب .
والله وليُّ التوفيق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى