حكايات شهريار.. لو كنت طبيبي

شرين خليل | مصر 


اللوحة للرسام بيير أوتن Pierre Outin

الثلاثاء ١٥ نوفمبر؛ أجواء شتوية لطيفة، الساعة تقترب من العاشرة، أوشكت علي الإنتهاء من عملي في العيادة فلقد كان يوماً شاقاً بما يكفي
دخل السكرتير ليخبرني بوجود حالة في الإنتظار ووضع الملف الخاص بها علي المكتب أمامي وخرج ليسمح لها بالدخول .
ودخلت وكانت أخر مريضة ولم أتوقع أنها هي التي كنت أبحث عنها طيلة السنوات الماضية ومن هنا بدأت القصة ..فأنا لم أشعر بنفسي وأنا أقف لها مندهشا وهي الآخري وقفت مكانها وسألتها كنتي فين وليه إتأخرتي ؟
أصابتها الدهشة وتقدمت بخطي بطيئة في صمت تام .
شعرت بالخجل والتسرع في سؤالي وحاولت أن أخفي لهفتي وقلت لها ؛ أهلا بيكي ،إتفضلي سامحيني إذا كنت فاجئتك بسؤالي المفروض إني أرحب بيكي الأول لكن بصراحه المفاجأة أربكتني .أنا بقالي كتير جدا بدور عليكي قوليلي كنتي فين وليه حاسس إنك مش فاكراني شايف في عينيك حيرة ؟
نظرت وعيناها مليئة بالتساؤلات وكأنها تريد أنت تقول لي من أنت ؟ هل تقابلنا في الماضي ؟ ثم قالت : أنا بصراحة حاسة إني عارفاك لكن مش قادرة أتذكر أنت مين أنا فعلا في حيرة بجد عارفاك ومش عارفاك انا كمان إتفاجئت لما شفتك وماتوقعتش إنك الدكتور ومش عارفه ليه وقفت مكاني وكنت عاوزه أخرج تاني .وبحاول أفتكر شفتك فين لكن ..
قاطعتها قائلا : قولي الأول كنتي فين وأنا هاقولك إحنا إتقابلنا فين
أنا كنت مسافرة ولسه راجعه بقالي فترة بسيطه وتعبت جدا وجيراني نصحوني أني اتابع مع طبيب وهما اللي أختاروك وعشان كده أنا هنا دلوقتي .
أنا عاوز أشكر جيرانك جدا لأنهم حققوا لي أمنية بقالها سنين .عموما مش هاطول عليكي وأقولك إتقابلنا فين إرجعي بالذاكرة لأيام ثانوي وإفتكري درس الر ياضيات هو دا المكان اللي إتقابلنا فيه ..
زادها الأمر حيرة وسألتني :
معقول ممكن تكون فاكر حاجة مر عليها سنين كتير جدا مش أقل من ١٥ سنه دا عمر تاني .أنا مش مصدقة موضوع درس الرياضيات دا وبعدين أنا روحت شهر واحد وماكملتيش إزاي فاكرني ؟
تحبي أقولك كنتي لابسه ايه ؟
ضحكت ضحكة جعلتني أرجع سنين من عمري وكأني طالب في الثانوي لأجدها من جديد بنفس الروح التي كانت تمتلكها فهي لم تتغير كثيرا بل إزدادت جمالا ورقة كنت أتمني أن أتقابل معها مرة أخري بعد الدرس ولكنها إختفت وظلت صورتها تطاردني علي الرغم من أنني أرتبطت بعدها اكثر من مرة .تحدثت معها بتلقائية شديدة وذكرت لها بعض أسماء زميلاتها وبالفعل بدأت تتذكر وتسترجع كل أحداث هذه الفترة وكأننا صديقان تقابلنا بعد فراق لنستعيد أجمل الذكريات .ومر الوقت سريعا
سألتها عن سبب مرضها وماهي شكواها التي جعلتها تأتي
ضحكت مرة أخري وقالت : تصدق أنا نسيت أنا بشتكي من أيه .
إفتكري براحتك أنا مش مستعجل أنا سعيد بوجودك جدا .
والكلام معاكي .
فهي لا تدري مابداخلي من فرحة وطمأنينة فأنا أشعر أنها هي الطبيبة وأنا المريض فبمجرد أن رأيتها نسيت كل إرهاق وتعب اليوم .
ردت قائله: خلاص إفتكرت وأخبرتني بما يؤلمها ووصفت لها بعض الأدوية وحددت لها موعد للمتابعة وكتبت لها رقمي وطلبت منها بصيغة فيها رجاء أن تتصل بي لكي أطمئن عليها ،تبسمت في خجل وترددت ولكنها أخذت الورقة وقالت إن شاء الله وذهبت وأخذت قلبي وعقلي وفكري .
إنتظرتها تتصل ولكنها لم تفعل
مرت الأيام وجاء الموعد ،موعد المتابعة، إنتظرتها علي شغف ولهفة وكأني طفل صغير ينتظر يوم العيد .
أنتظر وأنا خائف وأسأل نفسي هل ستأتي أم لا ؟
أنظر إلي الساعة وإلي كل مريض يدخل
حتي جاء آخر مريض ووجدت نفسي أطيل معه الحديث فالربما تأتي وبالفعل جاءت متأخرة كالعادة حتي تجعلني أنسي تعب وعناء اليوم فهي دائما مسك الختام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى