المعاصي تزيل النعم

خالد رمضان | تربوي مصري – سلطنة عُمان
قال تعالى :“وما بكم من نعمةٍ فمن الله” ، وقال : “وأسبغَ عليكم نعمَه ظاهرةً وباطنةً “، ولاريبَ أنّ الله تعالى غمرَنا بنعمِه التي لا تُحصَى ولا تُعَدُّ ، فلا إحصاءَ لها ، ولا اهتداءَ ، فمنها الجليُّ ، ومنها الخفيُّ. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أحسنوا جوارَ النعمِ ؛ فإنها إذا ذهبت لا تعودُ “؛ فالنعمةُ تدومُ ، وتستمرُّ بالرضا والشكرانِ ، وتزولُ وتندحرُ بالجحودِ والنكرانِ.
تُعَدُّ المعاصي أهمَّ أسبابِ زوالِ النعمةِ ، وهي سببٌ رئيسٌ في جلبِ غضبِ الله تعالى على صاحبِها .
إذا كنتَ في نعمةٍ فارعها
فإنّ المعاصي تزيلُ النعم
ذلك الأمرُ يكونُ على مستوى الأممِ ، والأفرادِ ، فمثلاً الدولةُ العباسيةُ تختلفُ حالُها في بدايتها عن حالِها في نهايتِها ، فنجدُ في نشأتِها الأولى الخليفةَ هارونَ الرشيدَ حينما نظر للسحابةِ وقال لها : أمطري حيثُ شئتِ فسوف يأتيني خراجُكِ ، وفيه ما يدلُّ على اتساعِ رقعةِ الإسلامِ ٱنئذ .
هذا يُوجزُ لنا حالَ تلك الدولةِ في أولها ، ثم انظر إلى ما حلّ بهم في نهايتها عندما تبدلت حالها فانتشرَ الزنا، واستمعوا للقيناتِ والمعازفِ ، فكانوا يجلبون الفتياتِ المغنياتِ من شتى البلدانِ ليستمعوا إليهن، ويستمتعوا برقصِهن ، وعمَّ الفسوقُ ، والفجورُ ، وكان من ضعفِ الخليفةِ المستنصرِ أن يقول : اتركوا لي بغداَ، وافعلوا ما شئتم ، فهو يريدُ المتعةَ فقط ولا يشغلُ بالَه بما تحتاجُه أمتُهُ ، فأرسلَ الله عليهم لعنتَه ، وأحلّ بهم نقمتَه، فانهالَ عليهم التتارُ الملاعينُ فشتتوا شملَهم ، وفرقوا جمعَهم ، حتى دخل هولاكوا قصر الخليفةِ، وأمسك به، وجلس على عرشِه وقال : نحن الضيوفُ وأنت المُضيفُ ، فقدم لنا واجبَ الضيافة ، فأخذ كل ما في الخزائنِ، فصنع تلين من الذهب والأموال . وهكذا زالت الدولةُ لفسق أهلِها ، وعصيانهم .
قال تعالى: ” ولو أن أهلَ القرى ٱمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون” ولطالما شاهدنا في حياتنا مَنْ تبدّلت حالُهم من السعةِ إلى الضيقِ ، ومن تغيرت حالُهم من الضيقِ إلى السعةِ ، فالأمرُ كلُّه لله
دع الأمورَ تجري في أعنتِها
ولا تبيتنَّ إلا خالي البالِ
ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتِها
يغيّرُ الله من حالٍ إلى حال
وما حديثُ النبيّ صلى الله عليه وسلم منا ببعيدٍ ، حيث ذكر قصةَ الأعمى، والأبرص، والأقرع ، وماذا كان منهم بعدما نالوا ما أرادوا، وكيف جحدوا نعمةَ الله – إلا الأعمى – فحلّ بهم ما حل . واللهَ نسألُ أن يحفظ بلادَنا ، وأن يديمَ علينا فضلَه ، وسترَه ، ونعمتَه إلى قيامِ الساعة ، وجزاكم الله خيرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى