ذكرى تأسيس مدينة الناصرية

عبد الحليم أحمد الحصيني | العراق

موضوع كتبته عام ٢٠١٦م مثل هكذا يوم وإدارة الفيس بوك مشكورة أشارت لي بهذه الذكرى لذا أعدت نشره مرة أخرى لأهميته ومايتضمنه من معلومات وتسلسل تاريخي دقيق .

المحامي ورئيس بلدية الناصرية المرحوم شاكر الغرباوي علم من اعلام الناصرية وأسم لامع في عالم الصحافة والإدارة والقانون والادب وله بصمة متميزة ومؤثرة في كل المجالات التي مارس العمل بها، كتب للناصرية موسوعة بـ (5) أجزاء أسماها (الناصرية في التاريخ) وله كتاب عن اعلامها بـ (3) أجزاء بعنوان (أعلام ذي قار) استذكرته كونه أول من طالب بإقامة احتفالية بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الناصرية ثم طالب بإقامتها بذكرى مرور قرن وربع القرن على التأسيس وهذا ما قاله في مجلة البلاغ العدد الثاني السنة السابعة عام 1977م على الصفحة 47 بهذا الصدد: (وكم كنت اود ان نحتفل بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس مدينة الناصرية ” دار الجهاد ” التي مرت منذ سنوات احتفالا يليق بأمجادها، وإبراز مقوماتها السياحية وثروتها الحضارية والآثارية واجتهدت لتحقيق الفكرة. وألفت المحافظة لجنة لهذا الغرض، عقدت عدة اجتماعات، كما ان مصلحة المصايف والسياحة، دعت هي الأخرى لذلك وعرضت استعدادها للإسهام فيه، واقترحت برنامجا لذلك، ولكن الذكرى مرت دون ان نحييها، وقلنا عسى ان تتهيأ الفرصة لذلك في قابل الأيام، فلا يزال ثمة مجال لذلك بمناسبة مرور قرن وربع القرن على انشائها، فتحسن الدعاية لها) ولم يتحقق مطلب وسعي الغرباوي.

وجاء بعده ابن الناصرية البار مدير المصرف الزراعي الأستاذ ستار ملا خضر النعيمي الذي نادى وبح صوته في مطالبة السادة المسؤولين وكتب لبعضهم رسائل في إقامة احتفالية بذكرى تأسيس الناصرية ومنذ أكثر من (10) سنوات وهو يفاتح كل من له علاقة في إقامة هذه الاحتفالية لكن دون جدوى، لأنهم انشغلوا بمصالحهم ولا يعنيهم أمر الناصرية التي أنجبتهم.

فتحية لهؤلاء الأصلاء الذين ولدوا ونشأوا في هذه البقعة الجغرافية المباركة وأخلصوا لها ولأبنائها.
والاحتفال بذكرى تأسيس الناصرية فكرة جميلة سبقنا لها المرحوم شاكر الغرباوي وستار ملا خضر اطال الله بعمره، فشكرا لكل من ساهم ويساهم في إقامة هذه الاحتفالية من أبناء الناصرية ومن مؤسساتها المدنية كونها مبادرة تستحق الاحترام والتقدير، ويوم الاحتفال في ذكرى التأسيس ان تقدم او تأخر أيام معدودة لا يؤثر على قيمة الاحتفالية لكن بشرط أن نعرف تاريخ التأسيس أولا ومن ثم نحتفل في نفس اليوم أو بعده بفترة حسب الظروف التي تساعد على إقامة هذه الاحتفالية، لكن أن نحدد يوم دون دليل ونحتفل به ونعتبره يوم متميز عن باقي الأيام أمر مستغرب وغير جائز لسبب بسيط (إنها الناصرية ياأخوتي).
الذي أثار انتباهي هو ما قرأته في لافتة وجدتها في شارع الحبوبي كتب فيها: (إن الثلاثين من آب رمزا متوهجا في حياة اهل الناصرية حيث وضعت فيه اللبنات الأولى على سلم مجدها) وكان الاجدر بمن كتبها أن يقول (يوم تأسيس الناصرية رمزا متوهجا ………. بدلا من الثلاثين من اب رمزا متوهجا) لأننا نجد ان هذا التاريخ ليس له علاقة بتأسيس الناصرية ولم نعثر على أي مصدر يشير الى هذا التاريخ وتحديد يوم الثلاثين من آب تأسيس خاطئ والناصرية براء من هذا التاريخ، وربما هذا التاريخ يعني مدينة أخرى غير الناصرية والأدلة على عدم دقة تحديد تاريخ التأسيس كثيرة يمكن أن نسلسلها كالآتي:
1 ــ وصول مدحت باشا الى بغداد في 18 محرم 1286هـ المصادف 30 نيسان 1869م لتسلم منصبه واليا عليها.
2 ــ استقدم الوالي مدحت باشا الى بغداد الشيخ ناصر باشا السعدون المتربع على عرش المشيخة (ليس المتصرفية) وكان قد بقي من مدة مشيخته مدة قليلة.
3 ــ وصل الشيخ ناصر باشا السعدون الى بغداد في 21 ربيع الأول 1286هـ المصادف 31 / 7 / 1869م واجتمع مع مدحت باشا في نفس اليوم وقد بين له مدحت باشا نيته في تحويل المشيخة الى متصرفية بالفعل لا بالأسم، وأصدر له امر التعيين.
4 ــ بتاريخ 2 جمادى الأولى المصادف 10 آب 1869م ركب ناصر باشا (الدخانية / هكذا يسمي أبناء العراق البواخر لرؤيتهم دخانها) عائدا الى المنتفق.
5 ــ في 13 آب 1869م استلم ناصر باشا مهام عمله متصرفا للناصرية.
6 ــ بتاريخ 17 جمادى الأولى المصادف 25 آب 1869م وصل المنتفق كل من المحاسب الحاج سعيد أفندي ومعاون المتصرف عبد الرحمن بك ونائبه عبد القادر أفندي الالوسي.
7 ــ ثم اسفرت الحالة من اجراء الترتيبات والتنظيمات الإدارية اسوة ببقية الالوية طبقا لنظام الولاية. (ينظر يعقوب سركيس / مباحث عراقية طبع 1947م ص 78 و79)
وهناك مصادر أخرى تعزز ما اوردناه من نقاط نجملها بالآتي:
1 ــ يقول يعقوب سركيس في كتابه” مباحث عراقية / الجزء الثالث، ص 162″ (ان فترة متصرفية ناصر باشا السعدون في المنتفق أولها في 13 آب 1869م وآخرها في 21 كانون الثاني 1874م)
2 ــ الرسالة التي بعثها نعوم سركيس الى الشيخ فالح السعدون والمؤرخة في 24 ربيع الاخر 1286هـ المصادف 2 / 8 / 1869م والتي جاء فيها (ثم نخبركم في 21 ربيع الثاني 1286هـ يوم السبت صباحا وصلنا بغداد… وحضرة المشير كثير التفت الى مولانا الباشا والعز والافتخار الذي صار له ما صار لغيره ابدا، و28 من هذا الشهر المصادف 6 / 8 / 1869م مولانا يلبس ونتوجه لطرفكم) (ينظر الدكتور خالد السعدون / ناصر باشا السعدون بين الامارة والإدارة، ص 69)
3 ــ رسالة أخرى بعثها نعوم سركيس الى الشيخ فالح باشا في 29 ربيع الثاني المصادف 7 / 8 / 1869م جاء فيها (من خصوص مولانا الباشا ” ناصر” لله الحمد خلصت حسب ارادته وتوجهت الديرة لعهدته وبمنه تعالى يوم ثاني من شهر جمادى الأولى (10 /8 / 1869م) يتوجه لطرفكم بالوابور (الدخانية) ونحن أيضا برفقته) (ينظر الدكتور خالد السعدون ص 70).
4 ــ لذلك استدعى الشيخ ناصر باشا السعدون الى بغداد بغية اقناعه بفكرة التجديد وعند وصوله في 21 ربيع الاول 1286هـ الموافق 31 / 7 / 1869م وبعد المحادثات تمكن الوالي مدحت باشا من استمالة الشيخ ناصر باشا بعد ان تأكد له ان الدولة العثمانية مصممة على تنفيذ سياستها الجديدة ولا مفر من القبول بفكرة الاصلاح الاداري وفي 2 جمادى الاولى 1286هـ عاد الشيخ ناصر إلى المنتفق وقد عين له الوالي ملاكا اداريا الذين وصلوا الى لواء المنتفق في 17 جمادى الاول 1286هـ المصادف 25 / 8 / 1869م. (ينظر عبد العال وحيد العيساوي ، لواء المنتفق في سنوات الاحتلال البريطاني ص 14 و15).
5 ــ اذن يوم 13 / 8 / 1869م هو يوم تأسيس الناصرية استنادا لاهم المصادر التي تناولت الناصرية وتاريخها.
وأخيرا أبعث برسالة محبة إلى جميع أبناء الناصرية أن يطلعوا على تاريخ المدينة والرجوع إلى المصادر الموثوقة وعدم الاعتماد على الكلام الشفاهي لأنه غير دقيق وان الذاكرة كثيرا ما تخون، لهذا نجد أنفسنا بعد هذه الجولة القصيرة مع اهم المصادر التي تناولت تاريخ الناصرية منها كتاب لمحات اجتماعية للدكتور علي الوردي وتاريخ المنتفق لسليمان فائق والتحفة النبهانية لمحمد خليفة النبهان وتاريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي وجميع اعداد مجلة لغة العرب وتاريخ البصرة للكسندر اداموف ولواء المنتفق لعبد العال وحيد العيساوي والعراق قديما وحديثا لعبد الرزاق الحسني اضافة الى مصادر اخرى عديدة يطول ذكرها وخاصة كتابات يعقوب سركيس الذي كان قد نشرها في مجلة لغة العرب للاب انستانس الكرملي من سنة 1912م الى آخر ما ظهر فيها في آب 1914م لم نجد اشارة ولو بسيطة الى يوم (30 آب) وان كانت هناك مصادر تشير الى هذا التاريخ لابأس بنشرها ليطلع عليها ابناء الناصرية لأنه تاريخ يهم الجميع ونحن طلاب حقيقة اينما تكون.