فيلسوف

رفعت زيتون | فلسطين

هلْ كانَ ذلك الشاعرُ فيلسوفا عندما اشتكى إليه تاجر عدم اقبال النساء على الخمار الأسود، فتكدّسَ في حانوته لا يجدُ منْ تشتريه؟
فأسعفه شيطانُ شعره بأبياتٍ جعلت النساء تتهافتُ على شرائه عندما قال:
قلْ للمليحةِ في الخمارِ الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبّدِ؟
وليسَ هذا فحسب، بل نقشتها النسوة على جدران عقولهن لتتوارثها بنات حواء بعد ذلك حتى وصلت إلينا. وليس عندي أدنى شكّ في أن التاجر قد ضاعف سعر الخمار بعد أن زاد عليه الطلب، ولعل من كان يسخر من بضاعته الكاسدة بالأمس يكون قد حسده بعدها على ما آل إليه مآلُه، وكيف تبدلت أحوالُه…
لذا فعندما يكونُ الأديبُ فيلسوفًا، يتكوّنُ عالمٌ علويٌّ جميلٌ مختلفٌ، ليس أدبًا محضًا ولا فلسفةً خالصة… كميلادِ طفلٍ منْ أبوينِ جمعا بينَ العقلِ والجمالِ، فتحقّق في ابنهما ما يُشبهُ الكمال. هذا يأخذني إلى الأسلوبِ في طرحِ الأفكارِ أو الأقوال أو الأفعال وفنّ تقديمها. بمعنى أنَّ الأشياءَ لا تتغيرُ في جوهرها ولكنّها تتغيّرُ في رؤيتِنا لها عندما تقدّمُ لنا. تمامًا كما البضاعةِ في السّوق. هذا تاجرٌ يزّينُ بضاعتَهُ ليخطفَ بها عيونَ المارّة، فيشتريَها حتّى منْ ليسَ بحاجتِها، وذاكَ يهملها حتّى ينفرَ منهُ ومنها النّاسُ، فتصبحُ بضاعتُهُ كاسدةً مكدّسة. هي ذاتُ البضاعةِ ولكنْ ليسَ ذاتَ الفيلسوفِ الحكيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى