لحظة الانعتاق

فايز حميدي | شاعر فلسطيني مغترب
-١-
من عَميقِ اللَهفةِ ونبضِ الجُّرح وجناحُ الأملِ
هي لحظةُ الانعتاق
النشيد الأبدي لميلاد الصرخة الأولى
دافئةٌ مثل المَطر في الفَجرِ
تتأرجحُ بين الوَهمِ والحُلُمِ
وفيضُ النور على وديانِ الرُّوح
ما بين أرض كنعَان وكِنانةُ الله^ وشمالُ الشَّمال
أغادرُ مَنفايَّ جُنوباً !!
وأطيرُ أبعدَ من حُدودِ مَشيئتي
إلى حيث تلهثُ الحياةُ وينتحبُ المسّاءُ
وسماءُ الغُربة الثَلجية تُلوِّح لي
أقتفي خُطو ذَاكرتي
وأتحررُ من أسرِ اللحظةِ وأكفان الماضي
هُناك وراءَ الأفق البَعيد البَعيد
لنَا حُلمٌ وهاجٌ
لنَا الأرضُ .. وتلكَ الدِّيار تَعرفُنا
لنا حُقول القَمح وبيارات البُرتقال
والحبقُ البريُّ والميرميةُ والزَعترُ
وَهدايا الرَبيع والمَطر
وَجِراحاتٌ نازفةٌ تُومضُ على الأرواحِ
ودمعةُ الشَّوق والكبرياء

-٢-
مع اطلالةِ السَحَر
ما أجذلَ الفجر !!
هل للسِراجِ وطنٌ سِوى حِلكةُ الليلِ ؟
أجففُ من شراييني تَراتيل العتم
وأمضي مع اللقالقِ والنَّوارس
أتفحصُ اهراماتَ مصرَ
وَسور صَنعاء اليَمن
وأرتقي بُرج بابل
وأدغدغُ خاصرةَ بردى
والأسئلةُ تزأرُ في أعماقيَّ
وأهدرُ في الشَّوارعِ الصمَّاء في وضحِ النَّهار
أفتشُ عن تنهيدةِ القلب في شُروخِ الجِّدار
هل من مُجيب ؟؟!
وأرتمي في حُقولِ الكآبةِ
غريبُ الجُرح والوجهِ واللسانِ !!
أوطانُنا لفافةٌ مرميةٌ مَقتولة المُنى !
يُبقعُ الموتُ أطرَافها
وفي مآقيها رَماد المِحرقة
وجبينُها أظفارٌ وأنيابٌ والعَدالة مُكفنة
وأملٌ هاجرَ على أهدَّابِ غمامةٌ مُسافرة !!

-٣-
أيُّها البحرُ يا صديقَ جُرحي
أترى وطناً يأكلُ دُموعاً وَطين ؟؟
أطرقتْ شامةُ الدُّنيا فَماتت رِئتي اليُمنى وَتوالدتْ الأوجاعُ !!
واشتكتْ الزَوراء^ فيبستْ رِئتي اليُسرى واحتسينا نبيذَ الضَّياع !!
وَبكتْ قواربُ الفَجر
وتركتْ جَدائلها تسيلُ
تتناهبُها أبوامٌ وَعقبانُ
والأمةُ الغرَّاء أناخَ القهرُ كَلكلها
لا سحبٌ تلوحُ ولا زهرٌ يفوحُ
سِوى نواحُ الرِّيح وصمتُ القِفار !!
أيُّها الزَّمن اللئيم
ثكلتْكَ أنفاسُ الضَّياع
إلى متى يَصفعُنا الظلامُ والفجر الهارب يَنزفُ أدمُعهُ المَخفية ؟!
يا نقطةَ الضوء
أيكونُ تحت الرَّماد جَمرٌ وسَعيرُ ؟؟

-٤-
أين المسيرُ يا أُماهُ ؟
أكمَامُنا تنزفُ أحزانَ الجِهاتِ
احتضرَ النَّهار وخيَّم الليلُ وأنّت الجُدران
وَتقشرت في غِيابِ أهلِها
سَادراً يا أماهُ أرقبُ الثُّريَّا
وألثُم ذاكَ الثَّرى
وَفي الجَسدِ ثقل الزَّمن
وَالطريقُ الطَويل الطَويل أبكَما
وَصمت الدُّجى والعتمةُ المُبهمة
أينَ المَسيرُ يَا أماهُ ؟
وَامتلأت كَفاكِ بالدُّموع
هو الأغترابُ المُركبُ والأمسياتُ الصَامتة
وَترمينَ الجَمرة في الأرضِ اليَباب
أتذكرينَ حين رَبطنا ذِكرياتِ العُمر إلى شَجرةِ زَيتون
وَغفونا كطيورُ المساءِ في شَجرةِ المَبيت
يَا امرأةَ اليَاسمين الدّمشقية
يَا امرأةَ اللجوءِ الطَويل الطَويل
وَما هَدأت في القلبِ صَرخة العَودة
وكم سِرْنا يَا أماهُ على أهدَابِنا المُتكسِرة ..

^^^
^كنانة الله : أحد أسماء مدينة دمشق وضواحيها في التاريخ ..
^ الزوراء : مدينة بغداد .
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية ) ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى