احتضار عند حافة الذاكرة.. رواية توثيقية كتبت ما لم يكتبه التاريخ

ديمة جمعة السّمّان

(إلى مدينة سرق الوشاة رداءها ووضعوه فوق سرير مُدنّس، ليوهمونا بأنّنا أولاد الخطيئة، نحن أبناءها المُجهَضين إلا من الأمل، سنبقى نبحث عن ملامحنا، المُبعثرة حتّى في احتضارنا عند حافة الذاكرة).
كلمات أهدى الروائي أحمد الحرباوي من خلالها روايته لمدينته خليل الرحمن، المسرح الّتي تجري عليها أحداث روايته “احتضار عند حافة الذاكرة، والتي صدرت عن دار نوفل _ دمغة الناشر هاشيت أنطوان في العاصمة اللبنانية- بيروت، وتقع في 136 صفحات من القطع المتوسط.
ويذكر الكاتب في المقدمة السبب الذي جعله يوثق تلك المرحلة الحرجة على المستوى السياسي والاجتماعي في فلسطين منذ عام 1914- 1953.
يقول الكاتب: وُلدت فكرة الرواية خلال بحث عن أغاني المدينة التراثية في ذاكرة سيّداتها. دلالات الأغنيات كشفت عن بنية تحوّلات رهيبة في المدينة في تلك الحقبة، خلقت الدافع لكتابة هذه الرواية، التي استمرّت، بحثًا وكتابة، عامين من الزمن.
ما الرسالة التي أراد أن يوصلها الكاتب من خلال عمله الروائي؟
أراد أن يقول أن الأرض التي كانت بيتا للفلسطينيين بكل ما يحملون من اختلافات بالفكر والعقائد أصبحت وعدا ممن لا يملك إلى من لا يستحق. كانت البلاد تعيش بسلام وأمان تحتضن كل من عليها بوئام ومحبة، فتحولت إلى قضية اغتصاب أرض وإبادة شعب ونزاعات مستمرة عكست نفسها على منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ففجرتها. إذ كانت تحاك المؤامرات من خلال الجهات الأجنبية التي تحالفت، فعززت الطائفية والعنصرية التي عذّت الصراعات وأصبح من الصعب السيطرة عليها.
رواية رصدت التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الخليل تحديدا ” أنموذجا” لبلاد الشام، منذ نهايات حكم الأتراك، تلك الحقبة التي سميت بالسفر برلك، والتي أدت إلى ضعف الدولة العثمانية فوصفت “بالرّجل المريض”، إلى التهيئة لوعد بلفور، إلى عام النكبة وتبعاتها.
رواية توثيقية كتبت بلغة سردية جميلة، حبكها الكاتب حبكة قوية شيّقة، أنسنت القضية.
رسم شخوصها بعناية، فأعطى كل منها حقها، إذ كانت كل شخصية من الشخوص لها دور أساس في تحريك الأحداث وتطورها بسلاسة مقنعة.
حقبة تاريخية مؤلمة سجلها الكاتب كي لا ننسى. ومع هذا الكم الكبير من الوجع، لا زال الأمل يطل من بين السطور، يذكّر بوجوده، فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى