التسامح الديني في التجربة الشعرية لإدريس الملياني في ديوانه: أبياتي آياتي

الباحث: رضوان العماري | المغرب

2019 دكتوراه في الأدب العربي /الأدب الشعبي جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء 

2022: السنة الثالثة دكتوراه في الديداكتيك اللغة العربية جامعة ابن طفيل القنيطرة ).

يعد ادريس الملياني أحد أبرز الفطاحل الشعراء المغاربة المعاصرين، سواء من حيث التجربة الشعرية الفريدة أو غزارة الانتاج الذي واكب فترتنا العمرية نحن كدارسين، إذ تروم هذه الورقة تقديم قراءة في ديوان الشاعر ادريس الملياني، بحيث ستلامس تيمة واحدة من مجموع أغراض أخرى حفل بها الديوان قيد الدراسة، وتتمثل في قيمة التسامح الديني التي تجسدها التجربة الشعرية للشاعر ادريس الملياني.

لعل الحديث عن موضوع التسامح، في ديوانه يطرح العديد من الأسئلة الموضوعية من قبيل: ما التسامح الديني؟ كيف ينظر ادريس الملياني إليه؟

أسئلة هنا وهناك تستدعي منا مبدئيا وبكل موضوعية تحديدا أوليا لمفهوم التسامح عامة والتسامح الديني على وجه التحديد.

إن التسامح قبل أن يكون قيمة هو نعمة ربانية يتفضل بها على عباده ليحققوا بها معنى العمران الحقيقي للأرض، ونشر الخير والمعروف بين الناس. وغياب التسامح في المجتمع يجعله فريسة للظلم والفتن والعدوان.

ويبقى التسامح قاعدة للتعايش بين الأديان السماوية وبين كافة فصائل الإنسانية، فجميع الرسالات السماوية دعت إلى العفو والتسامح ومحاربة الظلم وتكريم الإنسان، لذلك يجب أن يظل التسامح بذرة تغرس في النفوس البشرية، في البيت والمدرسة، وعبر وسائل الإعلام، وتحتاج إلى الرعاية لتكبر وتعطي ثمارا يانعة يستفيد منها المجتمع ليحيا حياة طيبة.

ولعل أبرز مظاهر التسامح في ديوان “أبياتي آياتي”، وجود شخصيات داخل الديوان تتسم بالتلاحم والتسامح بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، ومن بين هذه الأسماء نذكر “شمعون ليفي، ابنة عمران، أهل الكهف، المسيح يسوع…” فهذا التنوع بين الشخصيات في ديوان “أبياتي آياتي” دليل على التسامح الديني والثقافي، التسامح الذي ساد بين مختلف عناصر المجتمع باختلاف دياناتهم، من مسلمين ويهود وكافة الشرائح، حيث تمتع الجميع بضروب الرعاية والتسامح، فالمجتمع المغربي صورة حية لواقع الحريات الدينية، التي لم تكن تتوقف عند الإقرار بحق الآخر في الوجود، بل تتجاوز ذلك إلى احترام حريته في إقامة شعائره واختيار معتقده بلا تضييق، وهكذا حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم.

فإذا كان ابن بطوطة رحالة في زمانه، فإن شاعرنا يعد رحالة العصر بامتياز، بحيث سبر أغوار الزمان والمكان والفكر والأحداث داخل وخارج أرض الوطن. فقصائده نظمت ذهابا وإيابا بين المدن والأقطار، ويدل على ذلك في ديوانه.

ها هو في القنيطرة يكتب وردة الشام (1)

القنيطرة الآن، لأن بها الطقس،

لكن في نبضها

يستغيت صدى([2])

أنشودة للرمال

بصحراء (ذاكرة الرحل)

هنا خيمة نجمة

بكلميم

لا منتهى([3])

ها هو في دمشق:

هنا الوردة

دمشقية الهوى، مكشوفة الأسرار([4])

وهذه الرحلات التي اخترقت الزمان والمكان أماطت اللثام عن واقع الفكر والمفكرين والأحداث التي ميزت شخصياتهم على مختلف الإديولوجيات والديانات. هذا الملمح الإنساني في تجربة ادريس الملياني يعد حلقة فريدة مغيبة في تجارب باقي شعراءنا المغاربة. وعليه، فقد حاولنا تسليط الضوء على هذه الحلقة الفريدة من زاويتين إثنتين : الأولى تجسد قيمة التسامح الديني في تجربة الشاعر على مستوى الإبداع أولا معجما وصورا، والثانية تجسد هذه القيمة في العلاقات الإنسانية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

  • على مستوى الإبداع الشعري:
  • من حيث اللفظ:

القارئ العادي يجد نفسه غير مدرك للنسق الديني الذي يمتح منه مرجعيته، بيد أن الدارس المتخصص يكتشف تجربة شعرية قلة نظيرها، اخترقت الفضاء الديني الذي يؤطر مذهب الشاعر، وانفتاحها على الفكر الديني اليهودي منه والمسيحي، لإخوان لنا في الأرض والوطن. وقد تجلى ذلك بوضوح.

العنوان “أبياتي آياتي”             منفتح على مختلف الديانات.

الكتب السماوية الثلاث:

 نجده في قصيدة نداء المواطنةأشار إلى ذلك من خلال قوله:

لا ينسابني أي عهد

قديم

ولا أي وعد

بعهد جديد([5])

وفي قصيدة وردة الشام (1) الجولان الوردة المبتسمة يقول:

صليب المسيح يسوع

السلام عليه السلام([6])

وفي قصيدة إليك الوردة ناتاشا: يقول

المسكون بدهشة أهل الكهف([7])

  • على مستوى الشخصيات
  • شخصيات دينية:

في قصيدة الإديونيسي يقول الشاعر:

وآلهة أو نبي([8])

في قصيدة ماما يقول الشاعر:

ليكون لي منه كيوسف إخوة([9])

ورد في قصيدة شمعون ليفي:

هو الوطن الأب..([10])

وجاء في قصيدة الحب صفرا وهلم دحما:

بابنة عمران

وامرأة الفرعون

وأخت موسى([11])

  • شخصيات دنيوية دينية:

نجد في قصيدة شمعون ليفي:

بيت ليفي المؤجر

أدغال غاب([12])

كما جاء في قصيدة سيدي الكوري:

بواد غير ذي عشب ولا زرع

ضريح سيدي الكوري([13])

  • على مستوى الصورة:

وضف الشاعر جملة من الصور الشعرية أضفت طابع الجمالية وعمق الإبداع على مختلف قصائده الشعرية، إذ جمع بين الرمز والكناية والتشبيه والاستعارة، كل ذلك من أجل غموض المعنى وكشفها عن طريق تحليل تلك الصور.

  • الاستعارة:

حضر في ديوان الملياني الاستعارة بنوعيها التصريحية والمكنية، ويتضح ذلك من خلال الأبيات التالية:

وصب لي الكأس مترعةبماحية الحزن([14])،

أسند الشاعر في البيت أعلاه صفة العاقل لغير العاقل، فالحزن لا يعرف معنى (الماحية) وبذلك يكون قد حذف المشبه وأتى بصفة من صفاته وهي صفة الحزن اللصيقة بالإنسان، وبهذا نكون امام استعارة من نوع تصريحي،تم فيه ذكر المشبه به وحذف المشبه والإتيان بصفة من صفاته.

وفي السياق نفسه، ربط الشاعر بين الشعر كإبداع والشعر كمأوى ومسكن، فهو الفضاء الذي يسكنه الشاعر وهو ملجأه ومنفاه، فسكنه ومأكله وملجأه الشعر، إنه القوت الذي يقتات منه الملياني ليظل حيا يضيئ ويستضيء طريق ناظم الأبيات.

ويواصل إبداعاته الشعرية عن طريق الاستعارة حيث جعل القصيدة وكأنها إنسان قوي صامد لا ينحني أبدا، وهي استعارة مكنية. في قصيدته (الشاعر والقصيدة التي لا تنحني أبدا)([15])ص64.

  • الأساليب:

أكثر الشاعر في ديوانه من الجمل الفعلية، وذلك لخلق حركية ودينامية بين مختلف الديانات بما فيها المسيحية وخاصة اليهودية، وقد حضر في النص جملا إسمية الغاية منها الثبات والإستقرار على بعض المواقف والأحداث التاريخية، شمعون ليفي([16])، وبيت سعدي يوسف([17]). وبخصوص الأساليب، نجد هيمنة للأسلوب الإنشائي خاصة:

التعجب في:

كان إسمها ماما !!

أوووف !([18])

في هذا الوجود !([19])

والأمر في:

إليك الورود([20])

إسمحي لي يا ماما

والنداء في:

يا ذات القد الأهيف

يا ذات القلب الطيب

يا حورية الغابات والأنهار([21])

والنفي في:

لم يرمها الحجر

لن..

وعموما يبقى أسلوب التعجب السمة الأسلوبية الغالبة على ديوان الشاعر الذي يتساءل متعجبا ما آل إليه الوضع بين الديانات حيث غاب الحب والتسامح والإيخاء بينهما، هذا ما جعل الشاعر يلجأ إلى لغة تتسم بالعنف اللفظي الذي يتوخى من ورائه إظهار حالة عدم رضاه وقبوله للوضع الحالي بقوله في قصيدة إلى حنيني: أراني وحيدا بلا منزل وحبيب ولا مجد ماض ومستقبل.

  • الضمائر الموظفة في الديوان:

المخاطب: أنت تسكن/ أنت تنكح/ أنت تأكل، استعمله الشاعر لتشخيص وفضح هيئات وعوالم ومسميات خارجية بشكل مواجهات وادانات مباشرة وغير مباشرة.

المتكلم: أنا صادق/ أنا قادم/ أنا سابق لأواني، دلالة تكرار ضمير المتكلم المفرد: الياء والتاء تدل على طغيان الجانب الذاتي على النص إذ إنّ الشاعر يصف مشاعره تجاه وطنه + يفخر بنفسه.

دلالة استخدام ضمير المتكلم “أنا” في النص: إثبات الانتماء والهوية خاصة عندما يتحدث عن وطنيته، ولغته، وهيئة جسمه عن كل ما يدل على انه ينتمي إلى قومه ووطنه.

الغائب: كان اسمها/ هو يفعل/ الغاية منه تعميم لخطاب.

بعض الدلالات النفسية : العيش في كنف الوطن تدل على النعيم، المنفى يدل على البؤس والشقاء.

وعليه، فالحقل المعجمي يسهم في رسم لأجواء المحيطة بالشاعر: ليدل على الماضي/ الحاضر، السعيد/ الحزين، التفاؤل/ التشاؤم، الحنين إلى الوطن.

العلاقات الإنسانية والاجتماعية والثقافية والسياسية:

الشخصيات الإنساني الاجتماعي الثقافي السياسي
لفي شمعون الصداقة والمحبة

التعايش والتسامح

الأرض (الأم)

الوطن / المكان

المعاناة / الأزمات

الأدب / الكتابة

الوظيفة / التدريس

نفس التطلعات

النضال/ الإديولوجيا

نفس التوجه الحزبي

وقد اعتبر ادريس الملياني لفي شمعون على حد قوله في أنه الوطن/الأب(الرب)، والشعب/الابن، والحزب/الروح.

نجد في ختام هذه الكلمات الموجزة أن الشاعر أفلح في تقديم تجربة شعرية مشحونة برؤى ذهنية وأخرى عيانية شكل في مجملها لوحات من البوح والإدانة، وهو بهذا حقق ما يسمى ب (النص التاريخي)، في ظل واقع طغت عليه الحروب والصراعات والنزاعات الفكرية والهوياتية، صار ضرورة إيجاد مخرج لتجاوز أفق الصدام والصراع عبر الحوار بين الديانات والهويات الثقافية المختلفة، لذلك يمكننا القول بأن التعددية الثقافية والدينية هي القنطرة لإبراز التعدد كمركب أساسي للمجتمع، وهي سبيل للتعرف على الثقافات الأخرى في المجتمع: عاداته، تقاليده، وقيمه…

لذلك يمكننا القول إن البحث في مجال التعددية له أهميته ولهذا يجب أن نفكر بجدية في صياغة تصوراتنا الفكرية للتعددية الثقافية والدينية، وترسيخ قيم التسامح والتعايش الديني والاجتماعي في وطن يعرف تنوعا ثقافيا وتعددا لغويا، حتى ينسجم مع التطورات العالمية والتي نفترض أن تسود فيها السمات المميزة في الثقافة وفق النظم الديمقراطية القائمة على التعددية، للانصهار والتبادل الإيجابي والتفاعل مع المظاهر الثقافية والدينية والوطنية والعلمية.

^^^

الإحالات والمصادر والمراجع

[1]ادريس الملياني، ديوان أبياتي آياتي، دار التوحيدي 118 زنقة نابولي المحيط الرباط، الطبعة الأولى، 2014.

[2]– ادريس الملياني، ديوان أبياتي آياتي، ص28-29.

[3]– الديوان نفسه، ص44-45-46.

[4]– الديوان نفسه، ص32.

[5]– ديوان ادريس الملياني، أبياتي آياتي، ص12.

[6]– الديوان نفسه، ص29.

[7]– الديوان نفسه، ص40.

[8]– الديوان نفسه، ص16.

[9]– الديوان نفسه، ص22.

[10]– الديوان نفسه، ص52.

[11]– الديوان نفسه، ص103.

[12]– ديوان ادريس الملياني، أبياتي آياتي، ص52.

[13]– الديوان نفسه، ص113.

[14]– الديوان نفسه، ص53.

[15]– ديوان ادريس الملياني، أبياتي آياتي، ص

[16]– الديوان نفسه، ص51.

[17]– الديوان نفسه، ص58.

[18]– الديوان نفسه، ص20.

[19]– الديوان نفسه، ص24.

[20]– الديوان نفسه، ص36.

[21]– الديوان نفسه، ص37-38.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى