عمل المرأة محنة لا تنتهي

أماني الحسين| سوريا

مازال العمل عند المرأة يشكل معضلة تكلّف جهداً كبيراً في مناقشته أو في التفكير بطرحه. ومثل قضايا متعددة ما زالت عالقة، ومفتوحة للنقاش والجدل. ولا سيما من قبل الجنس الذكوري الذي يهيمن على أغلبية المجتمع، بما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهويته.

لا تنتهي هذه المعضلة عند الحصول على العمل، الذي يعد ضرورة خاصة في هذا الوقت، الذي أصبح ضرورة ملحة للمرأة في هذا العصر، وهنا يبدأ الجزء الأصعب من الموضوع. تحصل المرأة على هذا الحق المنفي بعد معركة طويلة في رحلة إثبات الوجود. ينظر الكثيرون إلى عمل المرأة نظرة سلبية من كلا الجنسين، خاصة من الذكور، إثر التغيير الذي يطرأ على حياتها. على الرغم من الإيجابيات التي ستلمسها المرأة بفعل مشاركتها في بناء المجتمع، إلا أن النضال يتضاعف عندها لإثبات قدرتها على التوفيق بين عملها خارج البيت وداخله، أما من قبل النساء لحرصهن على بقائهن في نفس الوادي ولنقول أن الغيرة أيضاً سبب كافي وخاصة للنساء المقيدات بالتقاليد.

 وأول هذه الضغوطات تعرضها الدائم لتهمة فقد الأنوثة، فالعمل يزيد من قوة المرأة وجرأتها على اتخاذ القرار، والمناداة بالحقوق، ومع ذلك المرأة العاملة تواجه ثلاث أوجه للاستغلال، وهم: الاستغلال الاقتصادي والاستغلال الجنسي والاستغلال العقائدي.

هل تأخذ المرأة حقها المالي على الرغم من إسهامها في تحسين الوضع المعيشي؟ فالمال له الأثر الكبير في النفس البشرية، فهو الداعم الأكبر للاستقلالية والمعرفة، وباب واسع للمطالبة بوضع حد للظلم والتسلط، وهذا ما يخشاه المجتمع. وعلى الرغم من حصول النساء على حقهنّ في ممارسة العمل، إلا أن نسبة كبيرة منهن لا يملكن القرار حتى في قبض دخلهن. فما زال الرجل يحتل مركز القوة والثقل في البيت والمجتمع عامة، وهذا يزيد الضغط النفسي، وشعور القهر وتفاقم التهميش لوجودها، أو ما نطلق عليه (بالقلق الوجودي)، فانتقال المرأة من دور المعبرة عن المأساة إلى الناطقة بالمعاناة والبحث عن حلول بعيدة عن التسول والرجاء والتمني وصب اللعنات لوجودها أساساً، يحدث بلبلة شديدة، وسخط لهذا التغيير.

إنّ المرأة العاملة تتعرض لعملية تبخيس دائم لجهدها وإمكاناتها، مما يدفع بها في أغلب الأحيان إلى مواقع إنتاجية ثانوية، بعيدة عن الخلق والإبداع، يتم تجاهلها في فرص التدريب، مما يزيد في شعورها بعدم الثقة بنفسها، ولهذا نجد الاستهجان المقصود لنجاح أي امرأة، وكأنه أمرٌ نادر ومستحيل التحقق، وهذه رسالة مبطنة تقول بعدم كفاءة المرأة ووصولها النادر للنجاح، على الرغم من أن هذا الأمر لا يستند إلى أي أساس بيولوجي أو ذهني بقدر ما هو نتاج عملية تشريط اجتماعية، ولهذا نجد أن المرأة العاملة دائما في موضع الاتهام في أي تقصير يقع في البيت أو العمل، فهي تعود إلى البيت للعناية به وبعائلتها، وتبذل جهداً مضاعفاً مقابل أجر زهيد إن حصلت عليه. فتراها تقدس الوقت وتحترمه وتستغله لإنجاز أكبر قدر من المهام، لتتجنب اللوم والكلام الجارح أو الاضطرار للاختيار بين العمل وشؤون المنزل. (بإمكاننا وضع شواهد وقصص من نساء).

أما الاستغلال الثاني الذي تتعرض له المرأة فهو الاستغلال الجنسي، وهنا يكون أول تساؤل: هل عمل المرأة يؤثر في العلاقة الجنسية؟ وهل مقدار الاستغلال الجنسي يتناسب عادة مع درجة التبعية الاقتصادية؟

في مجتمع يعزز عدم المساواة وفتاوى لا تخرج إلا لتبرير الجنس، نجد فيه كرامة الرجل مهددة لأنها مرتبطة بالمرأة، فالمرأة مجرد جسد وأداة متعة ورحم ينجب، على الرغم من حرمانها من الرغبة إن شعرت بها، في القبول او الرفض فهو محط الاهتمام للاتهام، وفي الوقت نفسه، هي عورة وعلينا سترها، ولهذا تحرم المرأة من أي سلطة على جسدها، ذلك أنها ملكية الأسرة وبعدها ملكية المجتمع (وهذا مما يفاقم جنايات الشرف والتبرير المجتمعي لها). الجسد مادة غنية للتشريع، بما يخدم المجتمع، والعمل يهدد هذا الأمان وهذه المتعة، صوت العمل يظهر ويفصح عن حقوق وخاصة حرية الجسد، والترفع والرفض لكونها آلة إنجاب وأداة لتربية الأولاد وخادمة للزوج، ورقم في بيانه العائلي، فالعمل يهدد هذه التراتبية ويخرج المجتمع من مسار العبودية المأجورة. المرأة العاملة أصبحت تفكر وتحتج على هذه القسوة والإهانة، وترفض على الرغم مما ستواجهه يصل إلى حدود الضرب والتعنيف، والاستقلال تدريجياً من التسلط الممارس عليها، فالعمل أكبر تهديد للحياة الجنسية المهينة، واعتراف المرأة بحقها في جسدها وانه ملكها لا من ممتلكات الرجل، هذا يجعل العلاقة مضطربة، وعدم سماحها بكل الأوقات أن تكون تحت تصرفه، فالعمل مهم للسماح للمرأة بالاعتراف بكينونتها، وأن تنظر لنفسها باحترام ولجسدها، لا كنقمة ومصدر اتهام لانتزاع الشهوة، فالاستغلال الاقتصادي والاستغلال الجنسي لهما نفس التأثير،  ومرتبطان ببعضهما للنهوض والتحرر ولو استغرق الأمر وقتاً طويلاً.

أعتقد أن كلا الاستغلالين سببهما الاستغلال العقائدي، وهو السبب الرئيس والأخطر لتلعب فيه دور الرضوخ، وبكل ثقة وإيمان، تتبنى كل التعاليم التي يفرضها الرجل وتعتنقها، وتتقبل مكانتها ووضعية الذل كأنه جزء من طبيعتها، ولا تشعر بأي حافز للتغيير، فهي لا تتصور أي جديد، وتتبنى قصص الشرف وتصبح عدوة أكثر شراسة للمرأة نفسها.

إنها مقتنعة أن البيت فقط عالمها، ودونيتها تجاه الرجل، وتبعيتها له، والزوج والعائلة حدودها فقط، فهي تُربَّى كأنها خادمة وطمس كل الإمكانات الموجودة فيها، ويجب أن تستر من قبل الأب والأخ والزوج، وتؤمن أنها مصدر الغواية والآثام، وتبقى المفهوم الناقص اللاموجود في حال عدم الانجاب، وأن تستسلم لمفهوم الطاعة، فهي تتلخص بجسد ورحم ولسان وطاهية وخادمة.

وهنا يسلب الاستغلال بكافة اشكاله الإنسانية، ويضع الآخر بمكانة الأسطورة، على الرغم من تطور البشرية والحاجة الماسة للمساواة لتحمل ضغوطات الحياة، وخلق نوع من التوازن، والشعور الإيجابي، والقدرة على إعطاء العقل الأولوية بعيداً عن المظاهر، وإصلاح ما خرب في هذا المجتمع الجامد.

محنة لا تنتهي فكلما زاد الوعي والانفتاح زاد الصراع والقتال لإثبات الذات وهذا ما يزيد المسؤولية التي تحملها هذه المرأة لإكمال رسالة المحبة في هذه الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى