تقليد أعمى

خالد رمضان | تربوي مصري مقيم في عُمان
في زمن الحداثةِ والعولمةِ، والثورةِ الإلكترونيةِ، والصناعية التي داهمت العالمَ كلَّه حتى آل المالُ إلى تغييرِ الأفكارِ، والأحوالِ، ومع هذا التغيير تغيرت طباعُنا، ومعالمُنا، وملامحُنا، فصرنا أناسًا ٱخرين، وكأننا لسنا نحنُ، نرتدي ثيابًا غيرَ ثيابِنا، ونحيا حياةً ليست لنا، ولا لذوينا.
انفتحنا على الحضارةِ الغربيةِ انفتاحًا غيرَ مشروطٍ، ولا محدودٍ، فبدأنا نرتدي ثيابَهم، ونقتفي ٱثارَهم حتى في لكنةِ ألسنتِهم، وقصاتِ شعرهم، بل وانحدرنا نحو الهاويةِ، فتسمع (البوي فريند، والجيرل فريند) وكأننا أبناءُ الخواجات، فلا نمتُّ إلى دين، ولا ننهجُ شريعةً. إن هذا التقليدَ الأعمى كاد يُفقدُنا هويتَنا العربيةَ، والإسلاميةَ، ومع ذلك لم ولن نكونَ غيرَنا، وإلا فسنقف في منتصف الطريق لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، وبالتعبير المصري (كالتي رقصت على السلم لا اللي فوق شافوها، ولا اللي تحت سمعوها).
إن من المؤسفِ أن ترى شخصًا من بعيد، ثم تحدّقُ فيه لتتأكدَ أهذا ولدٌ، أم فتاة؟ واحسرتاه! أنت لا تكادُ تتبينه من شدة التداخلِ بين الجنسين.
ترى فتاةً قصّت شعرها، وارتدت البنطالَ، وخالطت الرجالَ، فذهب حياؤها، وضاعت قيمتُها، ولا ذلك الفتى الذي اكتسى بثيابٍ ضيقة، وأطلق العنانَ لشعره، فتخلّى عن رجولتِه، وفقدَ قيمتَه، وعروبتَه وإسلاميتَه.
ليس عيبًا أن تقلّد، ولكن التقليدَ يكونُ في النافعِ والمفيد.

     فهلّا قلدناهم في التقدم العلمي، والتكنولوجي، والثقافي؟ إن المنافسةَ أمرٌ محمودٌ، لكن ليس فيما يُفقدُنا هويتنا العربية، والإسلاميةَ.
إننا أصحابُ حضارةٍ وتاريخٍ عريقٍ، لنا نهجنا، ولباسنا، وطباعنا، ولغتُنا التي نعتزّ بها، لسنا قطعانًا تُساقُ، ولا عبيدً تُباعُ في سوق النخاسةِ.
أيها الأبُ المكدودُ، أيتها الأمُّ المطحونةُ، نعلم مدى العناءِ، والشقاءِ الذي نعيشُه جميعًا لأجل لقمة العيش، ولكن لم ولن نكونَ مجردَ جالبين للطعامِ، والشرابِ، وندعَ أبناءنا يتيهون في غياباتِ الجبّ، فنحن مسؤولون عنهم بنص حديث النبي – صلى الله عليه وسلم  –  [كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه]؛ فهلاّ تأملت ثيابَ ابنتك قبل خروجها؟ وهلاّ تابعت جوالَ ابنك؟ متى وجّهت، وأرشدت، ونصحت؟ هل أصبحت حياتنا مُكرّسةً لإطعام الأسرةٍ، وكسوتِها؟ فإذا ما ضاعت الأسرةُ ضاعت الأمةُ، فما الأمةُ سوى مجموعةٍ من الأسر.
نحن عربٌ مسلمون، لنا ديننا، ولغتنا، وحضارتنا، فلسنا مقلدين، ولا متأمركين. نساؤنا دأبهم الحياءُ، وديدنهم العفةُ، ورجالنا شيمتهم المروءةُ، وخلقُهم الكرمُ، والوفاء. ألا فليفتش كلٌّ منا عما يشينُه، ويُصلحُ من نفسِه، وينتبه عمن يعولُ فنرجعُ إلى مصاف الأمم كما كنا من قبلُ.
أصلح الله حالنا، وحالكم، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها، وما بطن.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. احسنت استاذ / خالد
    يحتاج المجتمع العربي المسلم إلى من ينبهه من خطر العولمة
    والانسياق وراء من ليس لهم منهج ولا قيمة يحتاج المجتمع إلى من يذكرهم بهويتهم العربية وشريعتهم الإسلامية من يذكرهم بسنة نبيهم صاحب الخلق العظيم القائل ” إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق” .
    جزاك الله خيرا صديقي العزيز .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى