احترس.. داء الشهرة يقودك نحو الهاوية

خالد رمضان | تربوي مصري – صلالة – سلطنة عُمان 
حياةُ المرءِ أوقاتٌ محدودةٌ، وساعاتٌ معدودةٌ، سرعانَ ما تنقضي وتصبحُ ذكرى فانيةً تُمحَى من سجلاتِ الزمن، وقد أوجزها نبيُّ الله نوحٌ عليه السلام حينما سُئِلَ عن الدنيا فقال: كبيتٍ له بابانِ، دخلتُ من أحدهما وخرجتُ من الآخر.
إنّ الله تعالى حينما خلقَ الخلقَ لم يخلقْه عبثًا – حاشا لله – إنما خلقه لعبادته، وذلل له سُبلَ الحياةِ لمعيشتِه، ورسم له طريقَ الهدايةِ والرشادِ، وبيّنَ له طريقَ الغوايةِ والفسادِ، ولكن ترى هذا العقلَ القديرَ، والفكرَ المستنيرَ يحيدُ، ويميدُ عن الطريقِ المستقيمِ، فيرتدُّ عن الهدايةِ إلى الغواية، وعن الاستقامةِ إلى العماية، فينقلبُ على عقبيه خسر َ الدنيا، والآخرةِ.
إن ما يدفعُ هؤلاءِ إلى شتاتِ عقولهم، وانحدارِ أفكارِهم، وزعزعةِ إيمانِهم هو داءُ الشهرةِ، والتميزِ، فتراهم يغيرون ويبدلون معلومًا من الدين بالضرورة، فيختلقون ٱراءً، ويبتعثون أشلاءً أخنى عليها الزمنُ، وردّها علماءُ كبارُ منذ زمن بعيد .
إن حبُّ الشهرة. ذلك الداءُ الذي دفع الرجلَ المحرمَ في موسم الحج ليبولَ في بئر زمزمَ، وحينما سُئلَ قال: أحببتُ أن أُشهرَ ولو باللعنةِ .
إن من العجب العجاب أن ترى هؤلاء السفهاءَ يتجرؤون على دين الله فيفتكسون ٱراءً، ويختلقون فتاوى يعف اللسان عن ذكرها، فمنهم من ينكرُ عذاب القبر ، وهذا ينفي عزواتِ النبي  محمد – صلى الله عليه وسلم – ، وٱخر ينفي خروجَ عصاةِ المؤمنين من النار،وكأنه يسوي بين المسلم المذنب، والمشرك غير الموحد!
وغيره ينفي الحدود مدّعيا أنها لا تصلح في زماننا، وغيره يشكك في كتب الصحاح، وغيرهم يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم وغيرهم مما لا يُحصى عددُهم.
مرّ الإمامُ الرازي ذات يوم في أحد شوارعِ نيسابور، وحوله هالةٌ من الناسِ، وطلابِ العلمِ، وأمام إحدى الدور تجلسُ امرأةٌ عجوز، وحين رأت ذلك قالت : مَن هذا؟!
فاقترب منها أحدُ تلامذتِه وقال لها مستنكرًا : ألا تعلمين من هذا؟
قالت :لا
قال : هذا الذي أوجد ألفَ دليلٍ عقلي على وجود اللهِ، فقالت المرأةُ: لو لم يكن عنده ألفُ شكٍ لما وجد عنده ألفُ دليل،فنظر إليها الإمامُ وقال: ياليت لي إيمانا مثلَ إيمان عجائزِ نيسابورَ.
ما نهرها الإمام، ولا سخر منها إنما علم أن إيمان الفطرةِ هو الإيمانُ النقي، غيرُ مشوبٍ بفكرٍ مضلل، ولا وساوسَ مشككةٍ.
إن كل تلك الآراءِ، والادعاءاتِ الجوفاءِ ما هي إلا كنعيقِ البومِ لا تؤذي إلا نفسها، حينما ترتدّ على صاحبها فيبوء بالخسران المبينِ ، ” وخسر هنالك المبطلون”
من العوام من هو أرسخُ منا يقينًا، وأقوى إيمانًا، وما حفظ القرآن الكريم، ولا درس في جامعات رنانة.
انظر إلى هذه المرأة العجوز جدتي وجدتك حينما كانت تخرج من بيتها كيف كانت تلفلف نفسها، وتستر بدنها، وتغطي وجهها، وما كانت تعرف عورة المرأة، ولا لباسها الشرعي.
إن من أمهاتنا من تصوم الإثنين والخميس،وثلاثة أيام من كل شهر، وستًّا من شوال، ووقفة عرفة، ولم تقرأ في كتاب، أو تدرسُ في مدرسة.
من أمهاتنا من إذا خبزت خبزا، أو صنعت شيئًا توزع على جيرانها تبغي الأجر والثواب.
من ٱبائنا، وأجدادنا من كانوا يتركون حوضا، أو حوضين على رؤوس أراضيهم ويقولون ‘ هو لله يأكل منه المارةُ، والفقراء.
منهم من كان يتوضأ بماء الترعة، وتراه يصلي على قارعة الطريق بسرواله الطويل، ويدعو الله تعالى من كل قلبه لا يشوب دعاءه شائبةٌ.
هل هؤلاء درسوا في جامعات ؟
هل خرجوا على أسطح الشاشات؟
ومع ذلك فإيمانُهم يفوق إيمانَ هؤلاء.
إن من أشد الضلالة الضلالةَ بعد الهدى ، يقول تعالى ” فانقلب على عقبيه خسر الدنيا والآخرة”
ويقول الإمام ابن الجوزي: أرأيتَ من نطح مركبَه الجرفُ فغرق وقت الصعود.
اللهَ نسألُ أن يحفظ علينا ديننا، وأموالنا، وعقولنا، وبلادنا، وأمننا،وجزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى