قراءات في النسخة الـ 27 للمعرض الدولي للكتاب بالرباط

أجدور عبد اللطيف | المغرب

تشارف رحلة معرض الكتاب الذي يقام استثناء بالرباط على الانتهاء، لطالما تحفظ كثيرون على زيارته كونه محابيا كالقائمين عليه، ولا يمثل المبدعين المغاربة الحقيقين المتوارين، كما لا يرحب بحقهم في التعبير اللامشروط كون الإبداع مرادفا للحرية، وكونها أول محرك له ومدعاة إليه.

ترافقني للأروقة المهيئة بترف والمملوءة بكلف أخت صغرى صارت كبيرة الذائقة الإبداعية نافذة البصيرة النقدية التي تعورني حتى، أخت مُست بلعنة اللغة أيام كانت تتلصص على ما أجلبه من كتب من أصدقائي الطلبة وأنا بعد في الثانوية.. كتب بتشرذم الحي الخطير وبجفاء الخبز الحافي.

قد تخف حدة تحفظ البعض عن المعرض بعد الزيارة وقد يدرك أن ما لا يدرك جله لا يترك كله.. كيف وأنت ترى الجويطي بلكنته الملالية التي لم تذوي بلسان العاصمة المترصع الرسمية والبرودة ولا امتزجت بطبعه البدوي المحبب نخوة الدكاكين الثقافية المرابية.. تراه يذرع الأروقة مسلما على من عرف ومن لم يعرف صادحا بما يستدعيه السياق من دعوة للانخراط في تشكيل الوعي الجمعي المرتجى.

كيف وعدنان ياسين بخفة الظل المعهودة منحشرا بين الرؤوس التي يُضمنها في ما يكتب وتُضمنه وتضمه.. كيف وعصيد مرتاح في قاعة خانقة وغير مكيفة بالشكل الكافي مأخوذا بالنقاشات المتطايرة ساهما في الفضاء ، كأن الشروط الإعتبارية الرديئة التي تكون من نصيب المبدع عادة لا تعنيه، فقد كان بصدد أشياء أهم تخص الشروط الفكرية والثقافية التي ستخلص الإنسان من مطباته الذاتية والمجتمعية.

تبصر كذلك الطاهر بن جلون الذي يعتبر من أعظم ما أنجب المغرب من مفكرين، صامتا مهادنا ينقل عينيه بين هؤلاء متسائلا : هل فوت وأمثاله الموعد مع التاريخ وعجزوا عن صياغة الإنسان المغربي الذي لا يستعير عقل غيره في اختياراته الهوياته الكبرى؟ خاصة ونحن نعيش أزمة هوية مفزعة وأزمة أخلاقية أجل إفزاعا.. تتقدم لتحدثه مدفوعا بحب واحترام لرجل صادق في زمن يعوزنا الصدق بشكل جارح، وبحرج من قطع الرجل عن تأملاته ومساحاته..

تسلم عليه ويرد بابتسامة خافتة متعجبة كون أحدهم في النهاية عرف من يكون، إذ أن الجناح مكتظ والحشود تمر به مرورا، الحشود التي تدعي إلمامها بالفكر والثقافة، حشود تجهل وجها صوفيا عتيدا كوجهه وتحفظ قسمات وجه الشيخة الطراكس .

بعثت هذه النسخة إشكال حرية التعبير المُمعيرة حسب أمزجة البعض الفاسدة، وحتى نوجز المقال فيما يقال لا أحد في النهاية يملك زمام الحقيقة، ولا يمكن لأحد احتجازها ومصادرتها، بالضبط كما لا ينبغي أن يُصادر حق أي كان في التعبير عن ما يعتقده حقيقة، طالما لم يتطاول ذلك للتحريض على العنف والتشنيع والتهجم والإقصاء.

لكل أحد موقفه من المثلية ومن موسيقى الجاز ومن الكتب الدينية ومن طبق الكسكس ومن الوطن ورموزه ومن رونالدو، لكن موقف “كل أحد” لا يلزمنا ويلزمه دون سواه، ومحاولة تعميمه علينا وجعل الجميع نسخا إكلينيكية عنه تجنٍّ فاضح موغل وأنانية فاحشة مشجوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى