وصايَا إلى روّادْ باب البحر

عمار العربي الزمزمي | تونس

طالما تساءلت كيف أمكن للحياة أن تتواصل بباب البحر بصفة طبيعية دون اهتمام رواده وربما علمهم بما كان يحصل خلف أسوار بناية وزارة الداخلية المنتصبة في شارع بورقيبة على امتداد سنوات طويلة. وكلما فكرت في ذلك كانت تقفز إلى ذهني أغنية جورج موستاكي التي يقول فيها :

Quand je chantais

Ma chère liberté

D’autres l’ont enchaînée .

(لمّا كنتُ اتغنّى

بحريتي الغالية

وضعها آخرون في الأصفاد)

يا جالسينَ تثرثرونْ!

وتدخنونَ وراءَ بلورِ المقاهي

تشربونْ!

لا ترفعُوا!

أصواتَكمْ!

لا تقرعوا

أقداحَكمْ!

يا شاربينْ!

فإذا صمتمْ

لحظة ًً

و إذا أصَختمْ

برهةً ً

فستسمعونْ…

☆ ☆

يا راجلينَ تمهّّلوا!

و ترجّلوا

يا سائقينْ!

لا تُسرعوا!

لا تُسرعوا!

و توقّفوا

يا عابرينْ!

فإذا وقفتمْ

لحظة ً

و إذا أصختمْ

برهةً ً

فستسمعونْ….

☆ ☆

فِتْيَانَنَا

فَتيَاتِنَا

المتلاصقينْ!

كفّوا عن الهمساتِ

و النّجْوَى

و بَوْحِ العاشقينْ!

قولوا لدقاتِ القلوبِ :

تمهّلي!

وَ لْتَخْفضوا وقعَ الخُطَى

يا سائرينْ

فإذا صمتمْ

لحظة ً

و إذا أصختمْ

برهة ً

فستسمعونْ….

☆ ☆

يا عازفين توقّفوا!

و تسمّروا

يا راقصينْ!

للعزفِ وقْت ٌ

لمْ يَحنْ

للرقصِ أرض ٌ

لم تَبِنْ

فإذا وقفتمْ

لحظة ً

و إذا أصختمْ

برهة ً

فستسمعونْ….

☆ ☆

يا من صعدتمْ للمنابرِ

تخطبونْ !

فتحرّمون بشدة ٍ

و تحللونْ

تدْعُونَ بالعمرِ الطويلِ لساسةٍ

ظلوا عقودًا

يحكمونْ

خلّوا المنابرَ

مرةً

وَ لْتخفضوا أصواتكمْ

يا واعظينْ!

فإذا صمتمْ

لحظة ً

و إذا أصختمْ

برهة ً

فستسمعونْ….

☆ ☆

يا قاصدين لبابِ بحر ٍ

عامرٍ

بالزائرينْ!

لا تُسرعوا الخطواتِ!

ثم توقّفوا!

قدّامَ مبنَى الداخليّةِ

و اصمتوا!

فإذا وقفتمْ

لحظة ً

و إذا أصختمْ

برهة ً

فستسمعونْ

صرخاتِ مَنْ سِيقوا

لهذا القبْوِ…

يعقبها الأنينْ

سترونَ

أشباحَ الذين قضَوْا

على مرِّ السنينْ

☆ ☆

يا عابرينْ!

يا مسرعينْ!

يا جالسينْ!

يا واقفينْ!

عجبًا لكمْ!

لم تُبصروا

كلّ الذين تسوقهمْ

فِرَقُ المباحِثِ للسّجُونْ

عجبًا لكمْ!

لم تسمعوا

صيحاتِهم تعلو

و تخْترق الحصونْ

كنتم شهودًا

صامتينْ!

يا ويحكمْ!

تتجاهلونْ

و كأنكمْ

ممّا جرى تتبرؤونْ!

☆ ☆

ولّى زمانُ الصّمت ِ

فلْتتكلموا!

و لْترفعوا

أصواتَكمْ

يا صامتينْ!

قولوا بصوتٍ واحدٍ:

طوبَى لمَنْ نالوا الشهادةَ

ثابتينْ!

طوبَى لمن سُجنوا و ظلّوا

واقفينْ!

المجدُ للشعبِ الذي

كنسَ الطغاة َ

الفاسدينْ!

و الخزي للمتسلّطينْ!

و العار للمتواطئينْ!

فهو الذي سيظل أصلًا ثابتا

كالطوْدِ

كالفِلّين في غاباتهِ

كالنخل في واحاتهِ

كالتين كالزيـــــتونْ

وهم الذين سيعبرونْ

كالظِّلِ

كالأمواج في خلجانه ِ

كالريح في شطآنــــهِ

كالليل كالسجـــــــونْ

وبلا طقوسٍ أو مراسم

يرحلونْ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى