قراءة في رواية: القبض على جميلة

أحمد علي هلال | كاتب وناقد 
هذه الرواية التي تأخذنا إلى محكيات الواقع عبر معادلات حوارية على مستوى أسلوبيتها وعبر حكاياتها المستلة من تواتر –تلك المحكيات الروائية- وعلى ألسنة أبطالها الذين يعضدون فهم الواقع المتغير وشبكة علاقاته المركبة، وفي رمزية المقولات الحكائية باللغة الواضحة والمواربة بآن معاً، نقف على أرضية رواية اسمها «ليلة القبض على جميلة»، وجميلة دالة الاسم والمعنى ودلالة التغيير والاستنهاض ومناهضة القبح ومتعاليات الواقع بمستوياته كافة، وبنماذجه المختلفة التي باتت تمثل بأسلوبية الرواية وجهات نظر متعددة لمقاربة الحلم والممكن في واقع مترع بالفساد والتخلف والقهر، في مقابل طليعة تؤمن بالتنوير والتغيير وتجهر بأفكارها بقوة الحق وبمعيار الجمال، هم سدنة الوعي الجديد الذي يحمله محكي الرواية عبر متخيلها وعبر ما تحتشد به من صراعات سوف يقف القارئ الفطن عند مجازاتها وما تؤول إليه بوصفها صيرورة مجتمعية وأخلاقية ومعرفية، إنها سيرورة الوعي الذي تؤثثه الرواية في ذاكرة المتلقي بدلالة الأسماء التي تتبادل البطولة من «حكيم إلى حكم إلى جميلة» إلى النقيض «مولانا والخبيث» وغيرها من الأسماء التي تشكل علامة في المحكي الروائي الذي يواصله الأديب د. محمد أبو ناموس في مشروعه الروائي المختلف، والذي يعيد لنا في هذا السياق ذاكرة الحكايات والليالي التي تجهر بالألم والأمل، وبضروب الصراع الضاري من أجل الحقيقة وحدها على الرغم من أن «موت جميلة» لا يعني نهاية الرواية بل بداية شروقها وإشراقها وانعتاق وعي أبطالها لمقاربة الممكن والمحلوم به والمشتهى، هي بهذا المعنى سيرورة وعي جمعي يأخذ من ميراث الليالي الفلسطينية ليضايف إلى ما نسيه الواقع وليتداركه التاريخ ليس بمعنى الوثيقة فحسب، بل بالمعنى الأشمل وهو ميراث الحكايات الناهضة من عتمة ذلك الواقع بضراوة ظلامه وتفتق نوره على أيدي المتنورين الساعين إلى رأب الصدع الذي حاق بأنساقنا السياسية والاجتماعية والمعرفية.
دلالة الرواية في انفتاحها على ما يعني تلك التحولات القارة ومضمراتها النسقية، التي تأخذنا إلى حقيقة تلك التحولات وكيف تصبح دالة الوعي والاستنهاض والنهوض الجديرة بكفاح المثقف ووعيه الجديد، ولعل لغة الرواية وأسلوبيتها وحواراتها الطليقة ما تذهب بنا إلى ذلك القول الروائي الذي يتعدد في طبقاته ومستوياته من الشفوية إلى ما يمكن أن تكون فيه اللغة هي نص الضمير الجمعي الذي سيصبح علامة إضافية في رواية « القبض على جميلة»، وبالتأكيد في سياق مشروع يقرأ بعين التاريخ تلك التحولات ويقاربها بحصافة قارئ لطبقاته ولضراوة صراعاته حتى ينفتح المشهد أكثر على ما نألفه وما لا نألفه في محمولات الرواية، المحمولات الفكرية والسياسية والاجتماعية، والتي تترك للقارئ تلك المسافة من الإسقاطات والتمثل من أجل إنتاج المفارقة لهذا الواقع والمحاكمة له، حينما لا تذهب الرواية هنا إلى تاريخ بعينه بقدر ما تشي بنماذجها المحتملة بقدر جديد يظل في مقام التنبؤ والتخطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى