أوراق الخريف.. الأُرجوحة (٥)

شرين خليل | مصر
انهارت أمامي وبكت بكاء شديد وأنا لم أتأثر ولم أتعاطف معها فهي التي لاترحم أحد ولا تفكر سوى في نفسها.
تريد أن تمتلك ماليس لها بحق بحجة أنها عانت من الحرمان والفقر ..
لم تستغل ذكائها في الخير والنجاح ولكن قادتها نفسها إلى الهلاك..
خاطبتها بقسوة:
إنطقي ،دموعك دي مش هاتأثر فيا وكفاية تمثيل. ..كنت عاوزه مني إيه ومن جوزي ولما فقدتي الأمل روحتي لعلاء ولما بردو فقدتي الأمل اتعلقتي بسامر بس المرة دي سامر هو اللي خدعك…
إنطقي..
-بدأت تتحدث وأنفاسها متقطعة:
أنا كان نفسي أعيش عيشة محترمة زيك وزي أي حد ..مانكرش إني كنت بحسدك وبتمنى أكون مكانك ويكون عندي فلوس كتير وزوج يحبني وحياة كريمة لكن عمري ماكنت هأذيكي أو أقرب لجوزك لأنك وقفتي جنبي ورفعتيني من القاع اللي كنت فيه ،اتعلمت منك حجات حلوة كتير بس غصب عني كنت مستعجلة وخفت أخسر سامر عشان كده قبلت الرشوة وأديته الفلوس ..سامحيني..
-كدابه…إنتِ بس اللي ماأخدتيش فرصتك كويس معايا ومع جوزي ..لو كان هشام اتعامل معاكي كويس كنتِ هاتنفذي خطتك بغض النظر عن القيم والمبادئ..
الفلوس اللي بتقولي عليها دي تعبنا فيها واتغربنا وشقينا واتحرمنا من أهالينا، لكن إنتِ عايشه في حضن أهلك وعايزه تاخدي كل حاجة على الجاهز من غير ماتتعبي فيها ..عايزه تسرقي حياتنا عشان شفتيها في الأخر، ماشفتيش قد إيه تعبنا على ماوصلنا للي إحنا فيه ولسه كمان بنتعب وكل حجتك ظروف والدتك ووالدك ..
مالهم !! ناس طيبة وبيشتغلوا شغل حلال والكل شايفهم ناس مكافحة وأدّوا واجبهم في الحياة بس للأسف مقدروش يربوكي كويس .. أُخرجي برا وبكره لو الفلوس مارجعتش هاتكون الشرطة عندك .
آه نسيت أقولك سامر فين..سامر سافر أمريكا وباع المركز عشان المحكمة حكمت لمراته قصدي طليقته وكان لازم يديها فلوس ويوفر لها سكن عشان بنته وعشان كده باع كل حاجه ..
ونسيت أقولك كمان إن سامر كان عايش في أمريكا قبل مايستقر هنا في مصر ويتجوز بس العيشة في مصر ماعجبتوش ورجع تاني..
-نظرت إلي والحسرة تملأ عيناها وقالت:
أنا مش قاده أصدق أنا حاسه إني في حلم ..لا مش حلم ..دا كابوس..قوليلي ياأشرقت إنك بتكدبي عليا …أرجوكي..
-اولاً:اسمي الأستاذة أشرقت..
ثانياً: أنا مابكدبش أنا مش كدابة زيك..
ثالثاً:إنتِ تستاهلي كل دا ..
رابعاً: ودا الأهم يلا اتفضلي برا من هنا وزي ماقولت لك لو الفلوس مارجعتش السجن هايكون مسيرك، وأوعي تفكري تهربي لأني هاجيبك لو كنت فين وبعدين مش هاترضي طبعاً بالبهدلة لوالدك ووالدتك..
-أشرقت قصدي أستاذة أشرقت أبوس إيدك..
-برا قبل ما أنادي على الأمن يطردك ويبقى شكلك وحش..
خرجت وهي تبكي بشدة ودخلت هند :
أظن الخطة ماشية تمام ..
-أيوا ياهند أنا مش عارفه أنا كنت مخدوعة فيها إزاي ؟؟
-طيب هاتعملي إيه دلوقتي؟
-هاسجنها…
-معقولة يا استاذة؟ إنتِ قولتي هاتأدبيها بس وتسيبيها تروح لحالها..
-دي شيطان ياهند ولازم تتأدب صح ..
-فكري يا أستاذة قبل ماتاخدي أي قرار وإسألي الأستاذ هشام..
-أنا فعلاً هاسأله وأقوله على كل حاجه..
انتهى العمل وذهبت إلى المنزل لأجد هشام في انتظاري وهو حائر وقلق:
-أشرقت سامر بعت لك الفلوس دي مع شيماء اخته وقالت أنه مالحقش يجيبهم بنفسه…فلوس إيه دي ؟؟
-هافهمك ياهشام بس أقعد كده واسمعني بهدوء .
حكيت لهشام كل ماحدث وزادت حيرته وقال لي:
-إنتِ جواكي الشر دا كله والقسوة دي !!إنتِ يا أشرقت ومن غير ماتاخدي رأيي..أنا مش قادر أصدق..
-كنت عاوزني أعمل إيه مع واحده عاوزه تهدم حياتي..
-تبعدي عنها وأنا حذرتك منها ..
-كان لازم أديها الدرس..
-ليه؟؟
-عشان ماتخدعش حد تاني..
-إحنا مش مسؤولين عن الناس مش إحنا اللي هانحاسبهم..
يعني واحدة طمعت فيا وعاوزه تدمرني أسيبها كده بهدوء..
-الدنيا مليانه ناس بالشكل دا عاملين زي أوراق الخريف اللي لازم يقع عشان يطلع غيره ..ومش دورنا إننا نقول للورق أنت وقعت ليه إحنا نسيبه يقع …
-ولو كنا إحنا اللي وقعنا ؟؟
-ربنا بيسترها معانا عشان في حالنا ومش بنأذي حد وبيكشف لنا الناس اللي زي أوراق الخريف…ماكنتش متوقع منك كده أنا نفسي خفت منك…
-منتظر مني إيه أنا عشت طول عمري وحيدة ويتيمة بابا مقصرش معايا لكن من جوايا مفتقده مشاعر كتير ولما اتجوزت وبقى عندي أولاد كنت خايفه معرفش أكون أم ليهم وكنت بقرأ كتب عن التربية عشان أقدر أكون أم صح لأني ماعشتش مع أمي وماجربتش الشعور دا فكان لازم أحافظ على بيتي وأسرتي وكياني واللي يفكر يهد اللي عملته هادمره…
-محدش هايقدر يعمل كده طول ما أنا موجود وجنبك ..
سيبيها تروح لحالها وانسي الموضوع دا وبعد كده تسمعي كلامي ..
-لا أنا لازم اسجنها لأنها لو كانت نفذت مخططها ماكنتش هاترحمني..
-طيب أنا سامع جرس الباب بيرن هافتح ونبقى نكمل كلامنا بعدين عشان واضح إنك هاتتعبيني في الحوار دا. .
فتح هشام الباب ليجد أبي..
دخل أبي ويبدو عليه علامات الحزن..
ألقى التحية في هدوء وطلب أن يتحدث معي على انفراد.. جلست معه وعرفت منه أن هذه الفتاة اللعوب ذهبت إليه لتستغيث به لكي ينقذها من براثن السجن…وجاء لكي يطلب مني أن أتركها ترحل في هدوء:
-أشرقت يابنتي مش عشان في ناس سيئة إحنا نبقي أسوء..إعفي عنها يابنتي وبلاش السجن والحبس وكفاية اللي إنتِ عملتيه فيها بلاش تحسسيني إن أملي فيكي خاب …وتربيتي…أنا طول عمري حريص إني أربيكي أفضل تربية جبتي المكر والخداع دا منين ..
-يعني كنت أسيبها تخدعني ..
-يابنتي إنتِ اللي غلطتي لما فتحتي لها بابك ودخلتيها بيتك وعرفتيها كل حاجه عنك .. المفروض يبقى عندنا حرص في التعامل..محدش يلوم غير نفسه ..إحنا اللي بندي للناس مساحة مش من حقهم ..أنا طول عمري قافل بابي عليا وعليكي واختلاطنا بالناس كان محدود عشان كده كنا عايشين في هدوء..
-يعني عشان وثقت فيها تخدعني…
-وإنتِ إزاي تثقي بسهولة في أي حد وبعدين خلي علاقتك مع الموظفين والموظفات محدوة وفي حدود الشغل بس ماتدخليش حد بيتك..
-كده مش هانصاحب حد ولا هانثق في حد ..
-يابنتي كل إنسان جواه الخير والشر وكل واحد على حسب مابيهذب نفسه إنتِ نسيتي كل يوم كنت بحفظك سورة الشمس وأركز معاكي في الآيات اللي بتقول (( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ).
لازم الإنسان يهذب نفسه ويربيها صح…احنا نركز على نفسنا وملناش دعوة بحد تاني ..
-حاضر يابابا أنا مش هاحبسها أنا هاكتفي بأني اطردها من الشغل..
-دا درس ليكي يابنتي عشان تاني مرة تتعاملي بحذر، وبلاش تمشي في طريق الشر ..احنا مش هانحاسب الناس …
-هاسيبك دلوقتي تهدي أعصابك وتفكري في كلامي وتبدأي من جديد ونقطة ومن أول السطر ..بس أنا عارفك هاتجري على الأُرجوحة بتاعتك الأول…
-طبعاً يابابا مش حضرتك اللي عودتني عليها..
-أعمل إيه لما كنتِ بتعيطي وأنتِ صغيرة كنت أجري على الأُرجوحة كانت هي المنقذ والطريقة الوحيدة اللي بتنسيكي العياط لحد ما تعودتي عليها …
-طرق هشام الباب ودخل :
-الإجتماع المغلق انتهى ولا لسه..
ضحك أبي قائلاً:
– انتهى وعلى خير ..
-الحمد لله ياعمي إنت جيت أنقذتني من مجادلة صعبة معاها..
-خلاص ياهشام كل الأمور بقت تمام..
-خلاص يا أشرقت أنا هامشي وأنا مطمن…
-اطمن يابابا..
خرج أبي ورافقه هشام ونظرت إلى الأُرجوحة وتذكرت أيام الطفولة والبراءة ..
حقاً فنحن البشر مثل الأرجوحة؛ تتأرجح مشاعرنا بين الخير والشر ولهذا كان ينصحني أبي دوماً بأن أحبب نفسي في الخير واهذبها حتى تستقر مشاعر الخير وترسخ فيها..
وفي الغد سأُخبر هذه الفتاة أنني لن أسجنها ولكني لا أريد أن أرى وجهها مرة أخرى وأنصحها بأن تُصلح نفسها ولاتطمح في أشياء من الممكن أن تكون سبباً في تدميرها فالإنسان بدون القيم والمبادئ يعيش في قاع الحياة ويتجرد من مشاعر الحب والخير ، وفي النهاية يخسر كل شئ..
أما أنا فلن أعود لمثل هذه الحيل ولن أتخلى عن المبادئ التي تربيت عليها ..
لن أكون مثل الأُرجوحة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى