نصائح من أجل إجازة صيفيّة ناجحة

نور الدين بن أحمد خير الناس
بلدة صاد، ولاية بوشر، محافظة مسقط، سلطنة عمان

الحمد الذي بحمده تتمّ الصّالحات، وبذكره تطيب الحياة، وأصلّي وأسلّم على خير البريّة، محمد بن عبده -صلّى الله عليه وسلّم-، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فعندما تشتدُّ حرارةُ الصّيف، يتَّجهُ بعضُ النّاسِ إلى المصايف والمتنزهاتِ، ويستعدُّ آخرونللرّحلاتِ والخرجاتِ، وهناك من يبقى في الأحياءِ والبلْدَات؛ من الطّلبةِ والطّالباتِ، والأبناءِ والبناتِ، والمعلّمين والمعلّماتِ، والآباءِ والأمّهاتِ؛ ليغتنمُوا الأيّامَ واللّحظاتِ، وينالُوا أعلَى الدّرجاتِ، ويبتعدُوا عن ضياع الأوقاتِ، وما يجرّهُ من ويلاتٍ وغصصٍ ونكباتٍ، وغضبِ ربِّ البريّاتِ، فهلْ من نصائح من أجل الظّفرِ والنّجاحِ، ونيلِ المكراماتِ؛ ذلكَما سنعرفُه فيما يأتي -بإذن خالق الأرض والسّماوات-:
أوّلا: مهمّةُ الإنسانِ في هذه الحياة، هي عبوديتُه لله –تعالى-، وعدمُ الغفلة عن هذه العبادة طَرفَةَ عينٍ: يقول –سبحانهُ وتعالى-: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))؛ حياتُه كلّها لله، وأعمالُه كلّها لمولاه؛ في سرّهِوعلانيتِه، وعسرهِ ويُسرِه، ومنشطِه ومكرهِه، وحضرهِ وسفرهِ، وفراغِه وشُغلِه، وفي الشدِّة والرّخاءِ، وفي حالِ البأساءِ والضرّاءِ. هذا هو منهجُ المسلمِ الصّادقِ في إسلامِه، الجادِّ في انتمائِه، يقولُ تعالى:((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)).
ثانيا: وقتُ الفراغُ سلاح ذو حدَّينِ؛ فإمّا أن نحسنَ استغلالَه، ونجنيَ من خلاله ما يجلب لنا السّعادَة في دنيَانا وآخرتٍنا، فيكون بذلك من أعظمِ النّعمِ، وإمّا أن يكونَ سببا لضياع دين المرء ودنياه، -والعياذُ بالله-؛قال رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ))، وقال الْحَسَنُ البصريُّ: “الْمُبَادَرَةَالْمُبَادَرَةَ، فَإِنَّمَا هِيَ الْأَنْفَاسُ، لَوْ حُبِسَت انْقَطَعَتْ عَنْكُمْ أَعْمَالُكُم الَّتِي تَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-“، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:((إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا))”، ثُمَّ بكى وقال: “آخِرُ الْعَدَدِ خُرُوجُ نَفْسِكَ، آخِرُ الْعَدَدِ فِرَاقُ أَهْلِكَ، آخِرُ الْعَدَدِ دُخُولُكَ فِي قَبْرِكَ”.وفى هذا يقول أبو العتاهية:

إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَة

مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَة

وقال آخر:

لَقَدْ هَاجَ الْفَرَاغُ عَلَيْك شُغْلًا

وَأَسْبَابُ الْبَلَاءِ مِنَ الْفَرَاغِ

كان عمر بنُ الخطاب –رضي الله عنه- يقول”إنيّ لأرّى الرّجلَ فيُعجِبُني شّكْلُهُ، فإذا سألتُ عنهُ فقيلَ لي: لا عملَ لَه، سَقَطَ مِنْ عَيني”.
ثالثا: إنَّ الإنسان جُبِل على حبِّ مُخالطة الآخرين، والناسُ متفاوتون في دينهم وأخلاقهم، فمنهم الخيِّرُ الفاضلُ الذي ينتفعُ الإنسانُ بصُحبته وصداقتِه، ومنهم السيّئ الذي يتضرَّر بصداقته ومعاشرَته. فليصاحِبْ أبناؤُنا وبناتُنا المتّصفين والمتّصفات بالإيمان، والتّقوى، والوفاء، والأمانة، والصّدق، والبذل، والإخاء، والطّموح، وغير ذلك من الصّفات الحميدة، قال الله–تعالى-:((الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ))، قال رسول الله-صـلّى الله عليه وسلّم-: ((المرءُ علَى دينِ خَليلِهِ فلينظُرْ أحدُكمْ من يُخاللْ)).
يقول أحد الشّعراء:

عَنِ المرءِ لا تسألْ وَسَلْ عن قَرينِهِ

فكُلُّ قرينٍ بالمُقارَنِ يَقتـَدِي

الصّديقُ الفاسد كالطّعام الفاسد؛ الطّعامُ الفاسد سمٌّ يدمّر البدن، والصّديقُ الفاسدُ سمٌّ يدمّر الدّينَ، والأخلاقَ، والقيمَ، ويشجعُ على فعل المنكراتِ، ويزيّنُ المعَاصِي، ويفتحُ أبوابَ الشّرورِ، ويحثُّ على أذِيَّةِ الخلقِ، ويُذكّرُ بالفسادِ، ويؤجّلُ التوبةَ، ويتمنى على الله الأمانيّ، قال الله –تعالى-: ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا^يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا *لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا))، قال علي – كرّم الله وجهه -:”لَا تَصْحَبِ‏ الشِّرِيرَ فَإِنَّ طَبْعَكَ يَسْرِقُ مِنْ طَبْعِهِ وَأَنْتَ لَا تَعلم“.
رابعا:الإسلامُ لا يَحجُر على أتباعه التّرويحَ عن أنفسهم،وإدخالَ السّرورِ على أهليهم وأبنائهم، بوسائل مباحة شرعاً. فالحذَرَ الحذَرَ ممّا يُضعفُ الإيمانَ، ويهزُّ العقيدَةَ، ويخدشُ الفضيلَة، ويُوقعُ في الفاحشِةِ والرّذيلِة، ويقضِي علَى الأخلاقِ، والقيمِ، والمُثُلِ، قال عبد الله بنُ مسعود -رضي الله عنه-: “أريحُوا القلوبَ فإنَّ القلبَ إذَا أُكرهَ عَمِيَ“، وقال علي –كرّم الله وجهه-:”إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الاَبْدَانُ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ“.
يمكن للولد أن يخصصَ جزءا من وقته للتّرفيهِ؛ حسب حاجَاتهِ، وهواياتِه، وإمكانَاته؛ كالتّسجيلِ في النّوادي الرياضيةِ، والذّهابِ في رحلاتٍاستجماميةٍ،وزيَارةِ الأماكنِ الأثريةِ، والاطّلاع على الثّقافات العالميّة.
خامسا:العطلةُ الصّيفيةُ فرصةٌ ثمينةٌ لتقييم أداء الطّالبِ في السّنةِ المنصرمةِ، ومراجعةِ الدّروس الماضيةِ، والاستفادةِ منها في العقيدةِ، والأخلاقِ، والعملِ، والسّعيِ للتّغلّبِ على مواطنِ النّقصِ في مسارِه الدّراسِي؛ فله أن يلتحقَ بدورات تعليميّة تسدّ النّقص، ويطّلع على برامج تعليميّةٍ متخصّصةٍفي الشّبكة العنكبوتيةِ، والقنواتِ الفضائيّةِ، ويحرص على الاستعدادِ للعام الدّراسيِّ الجديدِ، بمذاكرة بعضِ مقرَّراتِهِ.
سادسا: الإجازةُ الصّيفيةُ مجالٌ لحفظِ كتابِ الله –عزَّ وجَلَّ- وتدبُّرِه، وفهمِه، وتطبيقِه؛ منْ أجلِ بناءِ جيلٍ واعٍ، ملتزمٍ بدينهِ، القرآنُ منهجُ حياتِه، يخالطُ عقلَه وقلبَه،ويجمعُ عليهِ أمرَه، ويرسِّخُ فيهِ ملكَةَ الرَّقابةِ الذّاتيةِ، ويُعطيهِ قوَّةً نفسيّةً، وعقليةً علميّةً موضوعيةً، ويُنمِّي فيه التّخطيطَ، والنّظرَ،والتّفكّرَ،والتّأمّلَ. وقد دلّتْ الإحصائياتُ في العالمِ الإسلاميِ، أنَّ نسبةَ التفوقِ لحفظةِ القرآنِ تفوقُ أقرانَهم الذين لمْ يحفظُوه، وذلك لاكتسابهمْ مهاراتِ سرعةِ الفهمِ والحفظِ، والقدرةَ على التّركيزِ والانتباهِ، والفصاحةَ، وسلامةَ النّطقِ، قالَ رسولُ الله -صـلّى الله عليه وسلّم-:((خَيرُكُم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ)).
سابعا:ينبغي أن يحرص أبناؤُنا في الإجازة الصّيفية على تعلّمِ اللّغات الأجنبيّةِ بعد إتقانٍ للغَةِ القرآنِ الكريمِ؛ فتعلّمُ اللّغاتِ يفتحُالمجالَ واسِعًا أمام الوظائفِ المتنوّعةِ في الشّركاتِ، والمؤسّساتِ، داخلَ الوطنِ وخارِجَه، ويُسهمُ في حلِّ المُشكلاتِ، واكتسابِ المهاراتِ، وتوسيعِ شبكةِ العلاقاتِ مع العالم الخَارجِي، وهِيَ أهمُّ مهارَةٍ فيِ السِّيرةِ الذَّاتيةِ للشَّخصِ، وعنصرٌ جوهريٌ للنّجاحِ في سوقِ العمل المحليِّ واَلدَّولي، وتحتلّ اللّغةُ الإنجليزيّةُ المرتبةَ الأولَى في مُعظمِ المجالاتِ، وتكادُ تكونُ لغةَ الأعمالِ الدَّوليّةِ.
ثامنا:ينبغي أن يحذر أبناؤُنامن الألعاب الرّقمِيَةِ المدمّرةِ للشخصّيةِ المسلمةِ، الُمحاربةِ للقيمِ الإيمانيّةِ، الدّاعيةِ إلى الإلحادِ والإباحيّةِ، الضّارّة بالصّحّةِ النّفسيةِ والجسديةِّ، الدّاعيةِ إلى العنفِ والإجرامِ والمشاكل الأسريّة.ِ
لابدّ من حمايةِ أبنائنا وبناتِنا من أنفسهِم، ومن كلِّ من يحاول تحويلهمْ إلى كائناتٍ غيرِ سويّةٍ، تتحكّمُ فيها التّكنولُوجيا الحديثةُ الماديّةُ الجامدةُ.لابدَّ من مراقبتهِم، وتوجيهِهمْإلىما فيهَا من جوانبَ مفيدةٍ لدينهمْ، ودنياهُم، وعاقبةِ أمرهم، قال الله –تعالى-:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)).
تاسعا: فتحُ قنواتِ الحوارِ مع الأبناءِ والبناتِ، ومصادقتُهم، ليقبلُوا التّوجيهاتِ، والإرشاداتِ، والانتقاداتِ، فيِ جوٍّ من الإقناعِ، والحُجَّةِ، والبراهينِ، واللّينِ، والرّفقِ، والإشفاقِ، والحنوِّ، والثّقةِ. بهذا تحلُّ مشاكِلهُم، ويعيشُوا التّوازنَ في حياتهم، فقدْ خُلِقُوا لزمانٍ غيرِ زَمانِنَا، قال علي بنُ أبي طالب -كرّم اللهِ وجهَه-:”لا تُربّوا أبناءَكم على ما ربّاكُم آباءكُم فإنّهم خُلقوا لزمانٍ غيرِ زمانكمْ”.
عاشرا: أشكر كلَّ الآباءِ والأمّهاتِ، والمعلّمينَ والمعلّماتِ،والمربّينَ والمربّياتِ، علَى صبرهم، وَجَلَدِهم، فيِ زَمنٍ صعبٍ للغايةِ، كَثرتْ فيهِ معاوِلُ الهدمِ، وَتعدّدتْ فيهِ وسائلُ الإغواءِ والإغراءِ، زمن الشّهواتِ والشّبهاتِ.
أشكرُهمْ علَى سعيهمْ من أجلِ إكسابِ أبنائهِم وبناتِهم مناعةًتحميهمْ منآفاتِ الانفتاحِ العشوائيّ علَى الثَّقافاتِ؛ليُحافظُوا على توازنهم وسَطَ لوثَةِ الأفكارِ، وَهَشَاشَةِ البنيةِ الثّقافيّةِ، قال الشّاعرُ الحكيمُ:
وَلَو ألفُ بانٍ خلفَهم هادمٌ كفى 

فَكيفَ ببانٍ خلفَهُ ألفُ هادمِ
شكرا لهم؛ إذْ لاَ يعرفُ التّشاؤم إلى نفوسهم سبيلاً، فدينُنا الحنيفُ يحثّنَا على التّفاؤلِ، والتّوكّلِ على اللهِ، مع اتّخاذِ أسبابِ النّصرِ، والعزّةِ، والكرامةِ لهذَا الدّينِ الحنيفِ، والنّاشئةِ المحمديةِّ الواعدة. والمسلمُ لم يُخلقْ ليسايرَ الرّكبَ البشريّ حيثمَا اتَّجَهَ، وإنَّمَا خُلقَ لينقذَ البشريّةَ من أوحالِها، وأوصابِها؛ لتخرجَ من الظّلماتِ إلى النّورِ، قال –تعالى-:((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)).
دعاء:اللّهم اهدِ أبناءنا وبناتنا إلى ما تحبُّ وترضى، واجعلهم هداةً مهتدين، وقرّةَ عين لنا في الدّنيا والآخرة، وحبّبْ إليهم الإيمان، وزيّنهُ في قلوبهم، وكرّه إليهم الكُفر والفسوق والعصيان. اللّهم حسِّنْ أخلاقَهم، وطهّر قلوبَهم، وارزقهم الحكمةَ والرّشادَ في حياتهم.اللّهم اجعل القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلوبهم، وشفاءَ صدورِهم، ونوراً لأبصارهم، وذهاباً لهمومهم، وأحزانهم. اللّهم ارزقهم الصّحبَة الطّيبةَ الصّالحَة، واجعلهم ممّن تحبّهم ويحبّونك،والسَّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى