أدب

حي الجرائم و ساعة السحر

قصة قصيرة

د. تامر محمد عزت | القاهرة 

لم يتمالك عم رضوان نفسه وهو يقلب كفيه من التعجب والاستغراب..عشرون عاما يعمل بوابا لأحد العمارات هو وزملاؤه البوابين وكان الحي مثال للرقي والهدوء.. ولم يعد كذلك بعد أن قام مجرم وقاتل متسلسل شق طريقه في الخفاء، وقتل 3 أُسر كاملة خلال أسبوع واحد.. كل اسرة لها حظ مختلف عن الأخرى في القتل والتقطيع..
ماهو لازم يعرفوا فيه ايه؟ الناس مش بتنام والخوف والرعب ملء القلوب وكل اسره فاكره نفسها هي اللي عليها الدور..
كانت تلك جملة رضوان لزملائه عندما وجدوا تجمهر من سكان الحي وهم في طريقهم إلى الرائد عمر… المسئول عن القضية المرعبه.
****
غضب الأهالي كان فوق احتمال الرائد عمر الذي استشاط غضبا و بضربة قوية من يده على سطح المكتب جعل الجميع يصمتون بعد الصراخ من الخوف والرعب الذي في انتظارهم، وتقدم رجل عليه الوقار بعقد صفقة معه.. وهي ان يتحملوا مصاريف كاميرات المراقبة والشرطة توفر الجنود اللازمة لحراسة منازلهم طوال الليل ، وافق الرائد وخرجوا من مكتبه وهو يطلق زفيرا بالراحة التي شعر بها وإن كانت – كما حدثته نفسه- راحه مؤقته.

دلف زميله في القضية الملازم أول عماد ومعه تقرير الطب الشرعي وشرع في الشرح :
النتيجة زي ما توقعنا.. الجرائم التلاته مطابقة، القاتل وكأنه شبح.. دخل للبيوت بمعرفة أهلها، لا يوجد أي أثر للاقتحام، سواء المداخل أو المخارج، لايوجد لأي حمض نووي لشخص آخر غير الضحايا، لا وجود لأي بصمات لا في البيت ولا سلاح الجريمة، كاميرات المراقبة العمومية لم تلتقط أي شيء .

***
اول ليلة بعد انتشار الجنود وتركيب كاميرات مراقبه جديده، جلس اثنان على شاشات المراقبة، لاجديد، شعروا بالملل والنعاس يداعب جفونهما، بعد الساعه 3 هناك شيء غريب يحدث، طرق الفزع قلوبهما، الجنود تتساقط أمام أعينهم وكأنهم أصيبوا بطلقات ناريه خفيه دون سماع اي صوت، ليس هذا فحسب، بل الشاشات تُغلق من تلقاء نفسها بالترتيب، هم أحدهم أن يتصل بالطوارئ، ولكن هيهات، فقد سقطا فجأة مغشيا عليهما.
**
في مكتب الرائد كانت هناك محادثة بينه وبين الملازم بعد أن وصلت أيديهم فلاشة من كاميرات المراقبة وقال الملازم:
زي ما حضرتك شايف.. الجنود وقعوا بالترتيب.. كاميرات المراقبة اتقفلت بالترتيب.. لا وجود بشري.. وكل ده في الساعة 3 صباحا والثلاثه وثلاثون دقيقة…هل تعلم انها ساعة السحر.
سأل عمر بدهشه: ساعة الـ.. ماذا؟

****
(ساعة السحر دي مابين ال3 و4 بعد منتصف الليل، و ذروتها في 3.33 .. وفيه اعتقاد ان مخلوقات مثل السحرة و الاشباح بيظهروا في التوقيت ده ويكونوا في اقصى قوتهم، والكلام ده قديم من 1835، واي حد يخرج في الشارع في التوقيت ده بيتقبض عليه ويعدموه فورا… لانه كده ساحر وخطير) شرح الملازم الفكره الرائد الذي أبدى اندهاشه وتعجبه

معنى كده ان الجرائم كلها حصلت في نفس الوقت في الفتره اللي فاتت مع جريمة امس..

بالظبط وعدد الضحايا 6 المره دي

والعمل؟

كلنا سنذهب للحي في نفس التوقيت..

بتقول ايه؟
هو ده الحل لحل القضيه.

***
نرى ثلاثة أشخاص في فيلا في فيلا في الحي الهادئ سابقا حي الجرائم حاليا، اثنان منهم نعرفهم، أما الثالث فهو فاروق الوسيط الروحاني صديق الملازم أول، فورا اخرج لوح خشبي اسمه معروف ( ويجا)، بعد الشرح بالتفصيل وجدوا اصابع الثلاثة أنفسهم على المثلث البلاستيكي.. ليتحول الهواء إلى هواء ثقيل وخانق
وتتحرك قطعة البلاستيك على اللوح الخشبي :
انا سليمان
المسؤول عن الجرائم
نعم..
الأمر شرحه يطول
سأغادر
الحل الوحيد هو الاستحواذ
اتلبس بأحدكم
لا يوجد خيار آخر

و بالفعل استحوذ الشبح على جسد الوسيط الروحاني وجلس يقص حكايته والرعب يسيطر على عمر وزميله.
****
انا موظف فقير.. حياتي بائسة.. زوجة سليطة اللسان.. كثيرة الشجار مع أمي وكأنهما ضراير، 3 ضحايا.. اقصد اولاد.. يكبرون يوم عن يوم.. وطلبهم للزياده المالية في ازدياد، هربت منهم ومن فقري، فهمتهم اني اترقيت في بلد بعيد ومرتبي زاد، الحقيقه.. انا هربت وبقيت شحات، ايوه.. شحات.. لفيت كل المحافظات وكل المدن والقرى.. ولميت مبلغ محترم.. كانت العيال كبرت ودخلت الجامعات، والصدفه هي اللي غيرت الدنيا.. ابني شافني في احدى المدن.. اتاريها كانت فيها كليته وانا معرفش، رجع وفضحني، ورجعت معايا شنطه كبيره.. فيها نص مليون جنيه.. هم شافوا الفلوس من هنا ونسيوا كل حاجه.. وكلهم بدأوا يقسموا في الورث اللي وصلهم في غفله من الزمن.. كل واحد برأي.. الصوت ارتفع.. مسكوا في بعض..3 عيال ومراتي وامي..الموضوع وصل لتشابك الايدي..ضربوا بعض الاول..وفي عز الغضب..سكينه رشقت في قلبي و قلب امي…روحي هامت وخرجت من الجسد اللي انا شايفه قدامي…بكلمهم محدش سامعني..عرفت اني طيف…شبح..وفجأة لقيت مراتي اتجننت وحرقت في الفلوس..ابني الصغير قبل الكبير حاولوا يطفوا الحريقه..وكأن الفلوس عليها جاز او بنزين..وولعت.وبقت رماد..
النتيجه..انا وامي في تعداد الوفيات..مراتي اتجننت فعلا…عيالي ضربوا بعض وبقوا اشرار.
بقى عندي غضب مدفون ناحية الاثرياء عموما.. وجدت اغلب الاغنيا.. اشرار.. بقالي سنين ينتقم من الشر…بدمر الشر… بقتل الشر.. واهد الاسر.. اشمعنى انا؟
لغاية ما لقيت الحي ده.. كلهم اشرار.. واغنيا وعايشين في سلام.. كاذب..
وقتلت اللي قدرت عليهم لغاية ما حضرتوني… طبعا عايزني اوقف اللي شغال عليه من سنين..
عندي شرط واحد..اني اتنقل من مدفع الصدقة لمدافن محترمه..هقولكم انا مدفون فين واخركم 24 ساعه من الان..وإلا….

عاد الوسيط الروحاني إلى الواقع وبينه وبين الحضور نظرات اندهاش وتعجب.

****
فجر الملازم أول مفاجأة في وجه الرائد:
عايز اقولك على حاجه بصراحه.. من بداية القضيه وانا كلمت صديقي الوسيط الروحاني وهو اللي قالي ع ساعة السحر وانتقام الشبح وعلشان كده استعنت بيه.. وعلى كل، احنا هنشتغل كام يوم كده وكأننا بندور على القاتل لغاية ما يدفن الشبح ده بمعرفته…

***
بعد اسبوع

جوال الرائد يرن في الساعه 11 مساء.. كان زميله هو المتصل :
عمر.. افتح على عمرو اديب بسرعه.. اسمع الكارثه

بسرعه غير القناه واستمع :

عمرو اديب:
يعني يا فندم عايز تقولي ان القاتل المتسلسل ده انتحر خلاص
الكاتب الصحفي في مداخله هاتفيه:
شوف يا استاذ عمرو.. القاتل ده كان شغال زي اي مواطن في شركه كبيره.. وبسبب تقلباته المزاجيه.. رفدوه..المديرين والمشرفين..ساكنين في الحي ده في المعادي…وقتلهم بشكل غريب وعجيب بدون ماحد ياخد باله من دخوله او خروجه..وكأنه شبح وهو مش شبح ولا حاجه..بصبر وطولة بال اخد نسخ مفاتيح البيوت..وكان بيمشي عادي في الشارع وفي ساعه معينه كان بيفصل الكهربا بعد رشوه كبيره مع اللي ماسك كهربة الحي..لمدة ساعة..بيدخل البيت ويخلص عليهم ويمشي..طبعا..محدش جاب سيرة الكهربا المفصولة دي ومش فاهم السبب..وبعد المراقبه المكثفة..ونوم الحرس المفاجيء ومراقبين الشاشات..اتاري كان حد معاه بيساعده ورش مخدر غريب والعساكر نامت..وكمل على الباقي…السؤال هنا…ليه الشرطه ما جمعتش تفاصيل عن المتوفيين..كانوا عرفوا السبب..المهم..بعد فتره..لقينا القاتل ده قتل اسرته وانتحر .

عمرو : انتحر؟!
الصحفي:
لانه كان مريض بالانفصام في الشخصيه وبعد ما رجع لشخصيته ولقى عيلته مقتوله بسببه… انتحر

عمرو : طيب مفيش اي معلومات عنه قبل كده
الصحفي:
للاسف يا استاذ عمرو.. احنا عرفنا انه قابل 2 ظباط وفهمهم انه وسيط روحاني وقادر على انه يحل اللغز.. وعرفت انه ضحك عليهم وحكى قصة غريبه كده.. واتأكدت من مصادرنا.. انه هو هو القاتل المتسلسل.. اللي قتل الناس دي كلها بدافع الانتقام.. وقتل اسرته وكتب رساله باللي انا بقولك عليه ده وانتحر… وجاري البحث عن ال 2 ظباط للتحقيق.

رن هاتف الرائد عمر… ونظر إليه بشفقة على نفسه.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى