د. نظمي الجعبة.. حارس الحقيقة على  أسوار القدس التاريخية العتيقة

محمد زحايكة | القدس – فلسطين 

                       

في رحاب جامعة بيرزيت ، الحرم القديم كان اللقاء الأول للصاحب مع د. نظمي الجعبة الذي كان في سنته الرابعة على وشك التخرج وبمعية ابن البلدة الشاب الخلوق محمود هلسة يذرعان اروقة الجامعة ذهابا وايابا من وإلى مجلس الطلبة حيث كانا عضوان فيه ، ممثلان لما كنا نسميه باليسار الجذري في تلك الأيام الخالية .

وسرعان ما اندمج الصاحب مع هذه الشخصية المرحة المحببة والحكاءة التي تجيد نسج الحكايات العذبة والممتعة خاصة عن ذكريات السجن الإسرائيلي وما يضطرم فيه من عذابات وصراع عقول وارادات لمنع تفريغ المعتقل والأسير الفلسطيني من انتمائه وروحه الوثابة  وهويته الوطنية والثقافية النضالية حتى يبقى متراس الصد الأول والمتقدم  لافشال محاولات  استهداف شعبنا  وتهجيره أو تركيعه  او تذويبه او سلخه عن حضارته الأصيلة الضاربة جذورها عميقا في الأرض منذ ايام جدنا الأكبر كنعان . ويذكر الصاحب حينها، أن الجعبة اخبره انه كان يستغل فترات الاعتقال في المطالعة لساعات طويلة على ضوء مصباح خافت بعد أن يهجع الأسرى أو كثير منهم، حيث إنه اعتبر المطالعة والبحث عن المعرفة شريان حياة مهم لسجين النضال  والحرية.

ولم تطل فترة تواصل الصاحب  مع د. الجعبة في الجامعة  بسبب  تخرجه  بعد فترة قصيرة، ولكن الصاحب اخذ يلاقيه لماما في فعاليات متنوعة في مدينة  القدس على وجه الخصوص كما يتابع تطوره الأكاديمي المضطرد في مجاله الأكاديمي المتعلق بأثار وتراث فلسطين وفي القلب  منها القدس  التي يصفها بأنها متحف كبير في إشارة الى البلدة القديمة تحديدا .

وتمكن د. الجعبة على مدار سنوات طويلة من البحث والدراسة الأكاديمية الشاقة والتنقيب في مئات الوثائق والمخطوطات من اصدار العديد من الأبحاث والدراسات المعمقة والقيمة والنادرة الى جانب إطلاق مؤسسة  “رواق” مع د. سعاد العامري على حد ظن الصاحب اللاهب التى  تعنى بترميم الأماكن الأثرية الفلسطينية واعادة الحياة فيها. وترجمة هذا الجهد العلمي الى ابحاث ودراسات مبنية على خلفية علمية واكاديمية متينة ومدعمة بالحجج والبراهين والوثائق الدامغة والتي يجنح فيها الى تصوير رسوخ السمات الحضارية العربية القديمة والمتوسطة للشعب الفلسطيني الذي يصعب نفيه ونفي وجوده التاريخي والحضاري الصلب ومن الصعب على المحتل اقتلاع جذوره مهما ابتدع من وسائل البطش والقمع والتشويه والانتحال وأن شعب فلسطين بعد 70عاما على النكبات والنكسات والكوارث التي حلت به ما زال يتجذر  ويتعملق ويشمخ كالمارد في بلاده مجسدا  مقولة  “عصي على التطويع وعصي على النسيان” .

د. نظمي الجعبة اختار ميدان الآثار واللقى التاريخية والمخطوطات القديمة للتعبير عن فلسفته في الدفاع المستميت عن حقيقة هذا الشعب المناضل والمكافح على مر الأجيال لدحر الغزوة الصهيونية العاتية المدعومة من الغرب الاستعماري بقضه وقضيضه، ولكنها غزوة مصيرها الاندحار والفشل  كسابقاتها  من الغزوات على مر التاريخ، فلن يبقى في الوادي غير حجارته.

د. نظمي الجعبة طاقة فكرية واكاديمية حيوية لها بصماتها في تاريخ القدس الحديث وهي شخصية تنزع الى الجدية والرصانة في أبحاثها العلمية المتسمة بالمصداقية العالية والروح المقدسية والكنعانية التي تخفق وترفرف بين سطورها وصفحاتها المثيرة. وعلى الصعيد الشخصي تعتبر شخصية مهذبة متدفقة في المعلومات الثرية مع رفيف ابتسامة لا تفارق شفتيها ونظراتها الواثقة الحانية التي تمنح دفقات من الأمل والتفاؤل المبني على أسس واعتبارات حقيقية وليس على ترهات واباطيل زائفة وخراريف عجائز .

لنقف احتراما وتبجيلا وعرفانا بالشوط الفكري والاكاديمي  الباهر الذي قطعه الجعبة خلال مسيرته العلمية الحافلة بالعطاء  وبأشهى الثمرات العلمية المكينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى