أدب

بيوت للذاكرة.. دفاتر للنسيان

شعر: البشير عبيد | تونس

رغم سنوات الجمر
وخديعة المخاتلين العاشقين
للجسد العاري
والطاولات المزهوة بالثمار والموسيقى
كان الرجل الشريد يرمم بيوتا تداعت
وصارت مزارا للقادمين من زمن بعيد
ربما ضاعت خطاه في الفلوات
وصار الصوت قريباً من بهاء البريق
كم من طريق ترهلت فيها الخطى
والديار التي هاجرتها الأهالي
لم تبح بأسرارها للهاربين من القحط اللعين
السواعد التي رفعت الأكفان  على الأكتاف
اندثرت منها ورقات الحلم قبل مجيء العاشقات

للذاكرة بيوت وللنسيان دفاتر
لم نكن ندري أن مسافة فاصلة
بين الجحيم والنعيم تعرفها القوافل والغجر
لا حريم هنا قرب القبو القديم
لا أحد يستعين بالفقهاء في المعارك الخاسرة
ما وجدناه مكتوبا على الورقات صبيحة الأمس
لا تفهمه الأمهات الهاربات من الجمر
قيل إنهم جاءوا من زمن الكهوف
وناموا على عتبات اليقين
لم يفهموا أن النصوص قابلة للتأويل
و المعنى يخترق الجدار و المسافات…
لا خيار لنا إذن سوى الصمت مع الفقهاء
والذهاب سريعا إلى النهر المتاخم للحنين

ربما كانوا أفذاذا ولم نعلم
يعشقون الظلال والخيام والصيد الوفير من الأساطير
طوبى لهم بما كسبوا

لم نكن نعلم خوفهم من ذاكرة الاحتچاج
وانفلات الغيم في الدروب
يخافون من ورق كُتبت عليها تفاصيل
الوصايا
يخافون من ولد تنامت أحلامه في الأعالي
يخافون من جسد جريح لايساوم
حين تباغتنا أصوات الأمهات الهاربات
من الجمر
يخافون من غنيمة قد تضيع
والقطيع غارق في مياه الصمت و الانحناء

شريدا
عنيدا تراه العيون قبل المغيب
فاتحا ذراعيه للظلال والبهاء الطالع
من صيحات الثكالى
هنا كثير من سباع الزمن القديم
والرعاع صاروا أسياد الوطن
كيف لأولاد القرى
أن يسيروا فرادى باتجاه المسافات البعيدة؟
كيف ينام الفتى وبوصلة البلاد صارت سرابا….
لم نكن وحدنا في الأقاصي
كانت معنا ذاكرة الأيام
وصيحات الثكالى
خصوم الوردة المشتهاة صاروا جنودا
للأساطير
والبيوت التي هاجرها الأهالي
نام على عتباتها السباع والضباع وما أبقته المرحلة من غيوم

قبل مرور العربات زمن الغروب
يصيح الولد الكسيح غير مكترث بالعواصف
و الأنواء:
لا خوف لي من زحام المدينة و ضوضاء
العواصم
ستبقى الأصابع تكتب ورقات”الشغب”
ستبقى الرايات هي البوصلة
لا مفر من هروب الضباع
وانفتاح الجسد العليل على بهاء الصراخ الطالع من الأنفاق
لاخيار لهم سوى الهروب من كوابيس المرحلة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى