رجل مشوّه

رضى كنزاوي | المغرب

كنت أخشى الموت وكان يتقدم إلي، أتذكر عندما اندلع في خيالي المشهد، كان يتقدم إلي كمراقب الباص، يتقدم ويتقدم بحتمية تصر على توريط شاب فقير، على إحراج طالب وإذلاله أمام عشرات الناس، أمام مجتمع بأسره تجسد في ركاب حافلة، كنت أخشى الموت و كنت طافحا بالضجر ومن حياة لا تشبه الحياة المصورة في ذهن الوردة، كان عمري آنئذ يناهز ما تتطلبه الحقيقة من نقاء لإدراك الحقيقة ذاتها، وتشغلني فكرة واحدة فقط “ما هية اللا جدوى المكبوتة في محاولة الطفل لاصطياد طائر وفي عيش شعب بكرامة”.

كنت أخشى الموت، والموت ليس أسودَ كما صورته النمطية في خلد من تصفح ذات يوم أوراق النهاية.. لا لون له كالماء لا لون له تماما، قد يأتيك أبيضَ كلعاب نهد عصرته الشهوة أو رماديا كعمق الاحتراق.

كنت أخشى الموت وأدحر إنسانيتي جانبا لأزاحم القطط على قمامات الشارع، بحثا عن شيء لاقيمة له لدى الآخرين وهو كل شيء بالنسبة لي، كل شيء، فالحاجة ما تحدد قيمة الشيء وهي المعلم الذي يحط الأخلاق في نصاب التأرجح بين النص والهامش، لم أكن أبحث عن شيء للأكل وإنما عن بقايا الطفولة، عن دمية أعالج رأسها أو ساقها بلصاق (السكوتش) عن كرة أقوم بحشوها بأوراق الجرائد عن شيء لا أعرف لما يصلح لكنني قد أستعمله كمسدس أو سيف أو صحن فضائي.

كانت طفولتي يتيمة بالمعنى الذي لم أكن أبحث فيه عن أم ولا أب بل على لعبة تسد رمق طفولتي، كنت أخشى الموت، ويصاحبني ذلك الكبث الوحشي أن شيء ما في لم يمتلأ، شيء ما لم يبلغ ذروته، ناقص بكل ما يحمله النقصان مننقوص ونكوس في القلب والذاكرة،  كان بالإمكان أن تتدخل قوة سماوية ما لتقرضني نجمة أو عصفورا أو أمنية تائهة في السماء.

 كان بالإمكان أن لايلهو بي القدر كنرد يتدحرج على طاولة، وكم كان من الممكن أن لا أكون -أن أرى قرص الشمس  فأسارع لقذفه لأنه يشبه كرة أن أبعثر خصال شعر قصيدة صففتها القوافي والأوزان بعناية أن أركب امرأة كدراجة هوائية – كنت أخشى الموت لأن الموتى لا يلعبون  لأن الموتى جادون فيما يفعلونه.

 أنا الآن رجل مشوه ترتعد المرآة من سبر أغاوره ومن إبراز دلالته في العالم المعاكس كامل كالجريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى