روسيا والسلاح النووي.. ما علاقة ستالين والنخبة اليهودية؟

توفيق شومان | خبير سياسي وإعلامي لبناني
بعد ايام قليلة من انطلاق الحرب الروسية ـ الأوكرانية في الرابع والعشرين من شباط / فبراير الماضي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين “وضع قوة الردع الإستراتيجي في حالة تأهب قصوى”، وفي الثاني عشر من أيار/ مايو حذر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف من احتمال أن يأخذ الصراع مع حلف “الناتو” بُعدا نوويا، وفي واقع الحال لم تخلُ التصريحات الروسية منذ انطلاق عجلة الحرب من مواقف تبتعد ـ عن ـ أو تقترب من التلويح بالحرب النووية .
من الشائع والمعروف، أن الولايات المتحدة رعت غزوة عسكرية للمعارضة الكوبية في الخامس عشر من نيسان / ابريل 1961، بهدف إسقاط نظام الرئيس فيدل كاسترو ، ومع أن هذه الغزوة كان نصيبها الإخفاق ، فقد نجم عنها مخاوف كوبية ـ روسية من تكرارها ، فنصبت موسكو منظومة صورايخ نووية في كوبا بهدف حمايتها، فعلم الأميركيون بالأمر في خريف العام 1962 فهددوا بقصف الصواريخ الروسية، ووقف العالم على حافة “يوم القيامة” لأسبوعين كاملين ، انتهت بعدها فصول التهديد المتبادل بالجحيم، بأن يسحب الروس صواريخهم ويترك الأميركيون كوبا لشأنها .
ليست تلك الواقعة، وحيدة وفريدة في تاريخ العلاقات بين الدولة الكبرى، فقد ذكرت صحيفة ” الأهرام ” المصرية ( 10 ـ4 ـ 1964) أن قائد الجيوش الأميركية في الحرب الكورية (1950-1953) الجنرال ماك أرثر قد ” أفضى بسر دولي خطير ، قال فيه إنه أعد خطة تكفل له كسب الحرب الكورية خلال عشرة أيام ، وذلك بإلقاء عدد من القنابل الذرية يتراوح بين 30 و50 قنبلة على القواعد العسكرية للصين، وكان مجرى التاريخ سيتغير لو استطاع تنفيذ خطته”.
هذا المصير وبؤسه الذي توعد به الأميركيون للصين، له ما يعادله تجاه روسيا أيضا ، ففي العشرين من آذار / مارس 1967 نسبت صحيفة ” الجهاد ” الفلسطينية إلى وزير الدفاع الأميركي روبرت مكنمارا قوله ” إنه في حالة قيام الإتحاد السوفياتي بأي هجوم نووي، سترد الولايات المتحدة بضرب الشعب الروسي وإفناء 120 مليون نسمة “.
وأما في إطار الوعيد والتهديد الروسيين، فقد قالت صحيفة “الحياة” اللبنانية في السادس عشر من أيلول / سبتمبر 1964 إن نيكيتا خروتشوف ” رئيس الوزارة السوفياتية أعلن ان الإتحاد السوفياتي أصبح يمتلك سلاحا جديدا يستطيع إفناء الجنس البشري من على سطح الكرة الأرضية ، وحذر الصين بأن قوة الإتحاد السوفياتي لا حد لها ـ واتهمها ـ بأنها تطالب بأكثر من 580 ألف ميل من الأراضي السوفياتية “، ولم يختلف أمر الرئيس السوفياتي نيقولا بودغورني عن خروتشوف ، وبحسب صحيفة ” الأنوار ” البيروتية (25 ـ 5 ـ 1969 ) أنه قال “سنسحق أية محاولة صينية لإنتهاك السلامة الإقليمية لروسيا، “فردت عليه الصين ببيان صادر عن وزارة الخارجية جاء فيه” أن الإتحاد السوفياتي يستخدم التهديد النووي ” داعية إياه إلى ” وقف الإستفزارات “.
تلك هي صور ومواقف سريعة ومقتضبة لكيفية استخدام الدول الكبرى لمجمل عوامل القوة في علاقاتها الخارجية وفي مجالات توسيع نفوذها ، ولكن بما أن الحديث عن روسيا، من البداهة أن يقفز سؤال خطير إلى واجهة الإهتمام والفضول، وهذا السؤال مستمر ومتناسل منذ إعلان الإتحاد السوفياتي عن نجاح أول تفجير نووي في التاسع والعشرين من آب / أغسطس 1949 ، ومحوره التالي: هل صنع الروس قنبلتهم او قنابلهم النووية انطلاقا من جهودهم البحثية والعلمية أم حصلوا على تقنياتها من خلال عمليات التجسس أولا، وتحت ظلال التفاهم السري بين جوزيف ستالين والنخبة اليهودية الأميركية ثانيا؟، حيث قضى ذاك التفاهم بمقايضة الإعتراف بإسرائيل مقابل تسريب المعلومات والتقنيات الخاصة بالتصنيع النووي من الولايات المتحدة الأميركية ؟
قد يكون من الظلم الركون المطلق إلى إجابات تفضي إلى اتهام الروس بالقصور العلمي ، ومع ذلك ، فإن أعداد الجواسيس الذين جندتهم أجهزة الإستخبارات الستالينية للوصول إلى البرامج النووية الأميركية ، تستنبت أحجاما من الحيرة التي يصعب تجاهلها أو تجاوزها رغم مضي عقود عدة على تحول روسيا إلى القوة النووية الثانية في العالم .
ماذا تقول ذاكرة الإستخبارات ؟
في الواحد والثلاثين من أيار / مايو 2022 ، قالت صحيفة ” المصري اليوم ” إن كتاب مجدي كامل ” أشهر جواسيس التاريخ ” دخل في قائمة الكتب الأكثر مبيعا في مصر لعامي 2021 و2022 ، ومن ضمن الجواسيس الذي يتحدث عنهم الكتاب كلاوس فوكس ، فمن هو هذا الجاسوس؟
البروفسور كلاوس فوكس عالم ألماني فيزيائي من مواليد عام 1911 ، انتسب إلى الحزب الشيوعي الألماني في مطلع فتوته ، وحين حظر أدولف هتلر الأحزاب، فر فوكس إلى بريطانيا وحصل على جنسيتها عام 1941، وجرى إيفاده إلى الولايات المتحدة من ضمن البعثة البريطانية المشاركة في مشروع ” منهاتن ” النووي السري ، وعنه تقول صحيفة ” الوطن ” المصرية (27 ـ 10 ـ 2018) إن ناتاليا فيكليسوف ابنة رجل الإستخبارات السوفياتية فيكليسوف ” تحدثت عام 2018 إلى التليفزيون الروسي وقالت إن والدها كان يرى دور فوكس مركزيا في الوصول إلى القنبلة النووية، وأنه لولاه لاحتاج الاتحاد السوفياتي إلى عشر سنوات، وهو ما كان مستحيلا، ذلك أن أميركا كانت تخطط لقصف السوفييات قبل ذلك الموعد ، كانت هناك 300 قنبلة ذرية جاهزة للقضاء على الإتحاد السوفياتي” .
في تقرير(20 ـ 9 ـ 2020) لقناة bbc البريطانية ” كان فوكس رئيسا لقسم الفيزياء النظرية في مؤسسة أبحاث الطاقة الذرية البريطانية ، وكشفت وثائق سرية للإستخبارات البريطانية تم رفع النقاب عنها عام 2003 أنه نقل إلى مسؤولين سوفييت أسرار القنبلة النووية في مدينة نيويورك عام 1943، وعام 1950، تم اعتقال كلاوس فوكس، وفي محاكمته أقر بالذنب بأربع جرائم ، وحُكم عليه بالسجن 14 عاما قضى منها 9 سنوات وراء القضبان ، وبعد إطلاق سراحه عام 1959، هاجر إلى ألمانيا الشرقية وتوفي عام 1988 “.
لم يكن كلاوس فوكس وحيدا ، وإلى جانبه سطع نجم المرأة اليهودية الشيوعية أورسولا كوتشينسكي المعروفة بإسم “سونيا” وحولها كتبت صحيفة ” هآرتس ” الإسرائيلية تقريرا ترجمته جنى شقير (ـ 9ـ 11ـ 2021) ورد فيه ” في ذروة نشاطها، أدارت سونيا، التي ترقّت إلى رتبة عقيد في الجيش الأحمر، شبكة من الجواسيس الشيوعيين في قلب برنامج الأبحاث النووية البريطاني وأرسلت إلى موسكو معلومات ساعدت العلماء السوفيات على بناء سلاح نووي ، وفي عام 1942 أدخلت سونيا في قاعة مشاهير الجواسيس الشيوعيين ، ووقع الحدث المعني في مقهى مقابل محطة سكة حديد في برمنغهام ، إنجلترا، مكان إقامتها ، وتلقت كوتشينسكي وقتها حقيبة تحتوي على 85 صفحة من الوثائق السرية المتعلقة بالمشروع النووي البريطاني ، وكان الشخص الذي أعطاها الحقيبة هو كلاوس فوكس، الفيزيائي الألماني الذي فر من النازيين إلى بريطانيا ” .
الكاتب البريطاني بن ماكنتاير وضع كتابا حول أورسولا كوتشينسكي بعنوان ” لعميلة سونيا ” عرضت صحيفة ” القدس العربي ” اللندنية (11 ـ 9 ـ 2021) فصولا منه ، من بينها الفصل السابع عشر الذي ” يتحدث بالتفصيل عن علاقة العميلة سونيا بالعالم الألماني الأصل كلاوس فوكس، الذي سرّبَ المعلومات عن صناعة القنبلة الذرية عبرها وعبر السفارة السوفياتية في لندن إلى روسيا ، وطلب أن توضع المعلومات على طاولة القائد السوفياتي آنذاك جوزف ستالين” ، وقد قلدها الرئيس (قبل اعتلائه الرئاسة) فلاديمير بوتين ” وشاح الصداقة ” ، وتوفيت عام 2000 عن عمر يناهز 93 عاما .
وإلى جانب فوكس و كوتشينسكي، يبرز اسما اليهوديين الشيوعيين الأميركيين جوليوس وإيتل روزنبرغ ، وكانا على صلة بكلاوس فوكس ، وتم إعدامهما بالكرسي الكهربائي عام 1953 ، بعد إدانتهما بنقل الأسرار النووية إلى الإتحاد السوفياتي، وعلى ما أقر ديفيد غرينغلاس شقيق إيتل ، ان صهره جوليوس هو العقل المدبر لشبكة التججس النووية التي كانت تعمل لحساب الإتحاد السوفياتي (قناة ” الجزيرة ” ـ 26 ـ 6 ـ 2021) ، غير أن شخصا آخر أدين بالتجسس للسوفييات، وهو مورتين شوبيل وسُجن 18 عاما ، قال لصحيفة “نيويورك تايمز” في الثالث عشر من أيلول 2008 إن ايتل روزنبرغ كانت على علم بنشاطات زوجها التجسسية النووية لكنها لم تشارك فيها .
في قائمة التجسس النووي لحساب الإتحاد السوفياتي تيودور هول ، هاري جولد، و كيم فيليبي (1912 – 1988) نجل جون فيلبي الذائع الصيت عربيا (صحيفة “الأخبار” بيروت ـ 23ـ 1 ـ2015) الذي كان يرسل الأبحاث النووية العائدة ل ” الناتو ” إلى الإتحاد السوفياتي، وقد أقام في بداية أمره في بلدة عجلتون اللبنانية في منطقة كسروان، ثم انتقل إلى حي القنطاري في العاصمة بيروت، وحين تم اكتشاف نشاطاته، استطاعت الإستخبارات السوفياتية نقله من مرفأ فندق “سان جورج” البيروتي إلى مرفأ مدينة أوديسا الأوكراني، وقيل إن الإستخبارات اللبنانية عملت على تسهيل فراره، وأسدت خدمة للأجهزة الأمنية السوفياتية لأسباب بقيت مجهولة حتى الآن .
ماذا عن مقايضة ستالين الإعتراف بإسرائيل مقابل الحصول على القنبلة النووية وأسرارها؟
في مقالة منشورة (15 ـ 1 ـ 2022) على موقع مجلة “الهدف” الناطقة بلسان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن مشروع “منهاتن” الأميركي النووي كان على رأسه “اليهودي روبرت أوبنهايمر وتحت رئاسته عمل العلماء اليهود: اوتو فريش، وادوارد تيلر، ونيلس بور، وليو سيلارد، وجون فون نيمان، وجوزيف روتبلات، وايسدور رابي، وستانسيلاف اولام ، والكساندر ساكس، وجون كيمني وجيمس فرانك” .
وقد جرت فرضية المقايضة بين ستالين واليهود على الوجه التالي ، مثلما هو منشور في مقالة “الهدف” المنقولة عن ” الحوار المتمدن ” :
“يؤيد ويدعم هذه الفرضية المحامي الإسرائيلي الكس راسكن، الذي عاش في الإتحاد السوفياتي وعمل في دوائر التحقيق في الشرطة السوفياتية و في الوحدات الخاصة لوزارة الداخلية السوفياتية ، وقد لعب سالمون ميخائيلوفيتش (1890- 1948) الحاصل على لقب فنان الشعب لجمهوريات الإتحاد السوفياتي دورا كبيرا ، وفي عام 1943 سافر سالمون مع الشاعر اسحق فيفر إلى الولايات المتحدة وكان الأخير تحت إشراف اليزار رايخمان الجنرال في المخابرات السوفياتية، وكان هدف هذه الرحلة جمع تبرعات من الجالية اليهودية في أميركا لمساعدة الإتحاد السوفياتي أما الهدف الخفي فكان كيفية مساعدة ستالين في الحصول على أسرار القنبلة النووية، وحسب هذه الفرضية فإن ستالين حصل على الأسرار النووية في الفترة بين 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947 و12 كانون الثاني/ يناير 1948، وفي عملية التجسس على القنبلة النووية تم محاكمة الزوجين روزنبرغ حيث تقرر إعدامهما ، وشارك في عملية التجسس ديفيد جرين جلاس وهنري جولد ومرتون سوبلي وخمس عشرة آخرين ومعظمهم كانوا يهودا ” .
لا تقر المقالة المذكورة بالمقايضة وتقول في خاتمتها بعد مقارنات بين الفرضيات “يقودنا الإستعراض السابق إلى نتيجة تستبعد فرضية مقايضة الإعتراف بإسرائيل بالحصول على أسرار القنبلة النووية، حيث أن معظم الذين تعاونوا مع السوفيات كانت لهم توجهات ايديولوجية ومنهم من كان عضوا في الحزب الشيوعي وبالتالي فإن تعاونهم كان عن قناعة بأنهم يخدمون أهدافهم التي آمنوا بها ” .
ومقابل ذلك ، فإن أعداد العلماء اليهود العاملين في المجال النووي والذين تجندوا لخدمة الإتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى نظرائهم العلماء المفصولين من العمل في هذا المجال ، لا يبدد الأسئلة الشكاكة بل يزيدها غموضا، خصوصا حين يُستعاد شريط الذكريات (قناة “روسيا اليوم” ـ 28 ـ 2 ـ 2013) مع آناتولي غروميكو، نجل وزير الخارجية السوفياتية اندريه غروميكو ، حيث يقول إن ” القادة السوفييات كانوا يراهنون على القادة الإسرائيليين من ذوي العقائد اليسارية والإشتراكية، فتلك الميول كان من شأنها بحسب ظنون المسؤولين السوفييات ومن ضمنهم جوزيف ستالين، أن تجذب الإسرائيليين وتشدهم نحو الإتحاد السوفياتي ، وتحول دون تطلعهم نحو الغرب الرأسمالي والإمبريالي”.
أين الحقيقة ؟ لا أحد يعلم .
الله أعلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى