وقفات مع القرآن في رمضان (1)

عبد الله جمعة | شاعر وناقد مصري يقيم في الإسكندرية 

كثيرًا ما كنتُ أسمع من الناس حولي يتباهون أنهم يختمون القرآن على الأقلِّ مَرَّةً في شهرِ رمضانَ و أنا لا أستطيع ختمَ سورةٍ واحدةٍ ، بل ربما يمضي الشهرُ دونَ أن أكونَ قد أنهيتُ آيةً أو بعضَ آيةٍ ، و كنتُ أسأل نفسي مُتَّهِمًا إياها بالقصور و التقصير ؛ فلماذا أُجْهِدُ نفسيَ في الدوران حول اليسير لا الكثير من كتاب الله ؟ ألا يكفيني أن أرتِّلَه فأختمه عدة مرات كما يفعل أغلب المسلمين ؟ و مع مضي العمر بدأتُ أكتشف أن عندي حصيلةً من فهم ذلك الكتاب ربما لم يتيسر لغيري ، فأدركتُ أن قرآني لم يُكَلِّفْنِي مُنْزِلُه به لأحملَه على ظهري – كبني إسرائيل – أُتَمْتِمُه لا أعي منه شيئًا و بمرور السنين استحال الأمرُ عادةً ؛ إذ أعكُفُ طوال الشهر الفضيل فأخرج منه بما تيسر لي من فهم يخصني وحدي يعبر عن علاقتي الخاصة و الخاصة جدًّا بهذا الكتاب و التي لا يدرك متعتها إلا أنا ، و كل رمضانَ تزداد متعتي و شراهتي لذلك فأعكف على ما تيسر لي لا أخرج منه حتى أذوقَ حلاوته على طَرفَي لساني حقيقة لا مجازًا حتى أصبح في حوزتي محصولٌ من الحلاوة أذوقه كلما اشتقتُ و ما أكثر اشتياقي خلال شهر الصوم الهادئ الوديع .

لستُ شيخًا و لا فقيهًا و ما ادَّعَيتُ يومًا ذلك ، أنا رجلُ دُنْيًا تأخذني بكثيرٍ من مآخذِها طوالَ العامِ دونَ الكبائر و لكنني خلال شهر رمضان أخلو له و أعتبر الثمرةَ التي أحصل عليها زادًا أتزوَّدُ به طوال العامِ بل و لأكونَ أكثرَ صراحةٍ تؤكدُ لي صدقَ ما أُنَظِّرُ له محاولاً الخلوصَ في النهاية إلى أنَّ هذه اللغة هي أمُّ اللغات و أن منطقياتِها جِذريًّا و اشتقاقيًّا و تركيبيًّا و صوتيًّا ما كانت من ترتيبِ و لا منطقِ بَشَرٍ .

لقد بدأت منذ عدة أيام أستكمل مشواري معه و أثناء عكوفي على تأليف كتابي الجديد (مكامنُ الإبداع) ج٣ محاولاً تطبيق مناهج “علم اللسانيات” الحديث على النصوص العربية و بالقطع كان لابدَّ أن تبدأ تطبيقاتي على النص القرآني كلما تفهمتُ إحدى نظريات هذا العلم تنظيرًا و بدأتُ في التطبيق ثم أطبِّقُ بعدَ ذلك على نصوص الشعراء .

إنه لأمر مُمْتِعٌ غاية الإمتاع بصورة لا يتصوَّرُها غيري أن أقضي ساعات طوال أتفحص بعض حروف آي القرآن و ألفاظه و تركيباته لأكتشف بنفسي وجوه إعجازه و إحكام آياته غيرَ متَّكِئٍ على ما فهمه السابقون و إن كنتُ أطلع عليه من باب التأكيد على نفسي أني ما ضللتُ الطريق .

و لأنني ما اعتدتُ أن أستمتع وحدي فسوف أحاول أن أشرك متابعي صفحتي معي في بعض متعتي و ما يؤكد لي – بفعل التجربة الذاتية – أنه نصٌّ لا يُحْكِمُ نسجَه إلا اللهُ الخالقُ الأعظمُ و ليس لبَشَرٍ أن يأتيَ بنسجٍ كامل الإحكام هكذا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى