دور تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى مواجهة فيروس كورونا.. الصين أنموذجا

أ.د. جمال على خليل الدهشان عميد كلية التربية جامعة المنوفية الأسبق

منذ بدء انتشار فيروس كورونا في الصين ، أتاح الذكاء الاصطناعي الصيني عدة برامج لمواجهته ، والواقع أنه لدراسة جوانب تلك الأزمة  وسبل مواجهتها ،  نجد انفسنا فى حاجة الى الامور التالية: 

  • التشخيص الدقيق للمصابين بالفيروس سواء من ظهرت عليهم الاعراض أم لم تظهر .
  • حصر أعداد المصابين والمتعافين من هذا الفيروس .
  • توفير الرعاية للمصابين بامان ودون تعريض من يقومون على خدمتهم للخطر ، والحد من مخاطر العدوى ، و حماية الأطفم الطبية ومن يعملون فى القطاع الصحى والمستشفيات من خطور إنتقال الفيروس إليهم .
  • توفير سبل لعلاج المصابين فى ظل زيادتهم الرهيبة متمثلة فى توفير عقارات اوامصال لعلاح الحالات التى تعرضت للاصابة بهذا الفيروس المميت .
  • تطبيقات لتسير الحياة والعمل فى القطاعت المختلفة فى ظل الحجر المنزلى وتوقف الكثير من الاعمال ، العمل والدراسة من بعد .

وهنا يظهر السؤال الرئيس هل تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعى أن تسهم فى تلبية تلك الاحتياجات ومعالجة ما تفرضه من مشكلات ؟ .

ويمكن أن يتم ذلك من خلال  الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعى  لتلبية ذلك  كما فعلت دولة الصين على النحو التالى:

أولا :  بالنسبة للتشخيص: يمكن ان يتم ذلك من خلال توفير شاشات وكاميرات حرارية ذكية  تقوم ،  بقياس درجة حرارة المرضى الموجودين في الساحات والشوارع المحطات، وتوجيه إنذارًا لمن يتم رصد ارتفاع في درجة حرارته أو تظهر عليه أعراض الفيروس، وهو ما يعرف بالتشخيص الرقمى Digital diagnosis  وبالتالي منعه من إستخدام القطار أو الحافلة ، حتى تقوم الجهات المعنية بالتعامل مع الحالة ووضعها في مستشفيات الحجر الصحي ، واللجوء لاستخدام كاميرات تعمل بالأشعة فوق البنفسجية، وتكنولوجيا التعرف على الوجوه.

وقد قامت شركة بايدو الصينية بتطوير جهاز كشف يُحمل باليد يستخدم تقنية الأشعة تحت الحمراء للتعرف على الوجه ، ليعتمد عليه في محطات السكك الحديدية والمترو، وإذ اكتشف الجهاز تسجيل درجة حرارة أي شخص 37.3 درجة ، يطلق النظام إنذارا.

كما طورت شركة بينغ آن للرعاية الصحية الذكية التابعة لشركة التأمين الصينية بينع آن ، منصة “Ask BOB” للمحادثة ، وهي منصة استشارية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح التواصل مع الأشخاص والإجابة على أسئلة تتعلق بحالاتهم الصحية من أجل المساعدة في تحديد إذا ما كانت تنطبق عليهم أعراض الفيروس أم لا.

ثانيا: حصر اعداد المصابين والمتعافين وتتبع انتشارالفيروس ، والتنبؤ بهم مستقبلا والاستعداد لذلك:

فقد أعلنت منصة (Blue Dot) التي تعتمد في عملها على الذكاء الاصطناعي لتتتبع انتشار الأمراض المعدية في جميع أنحاء العالم  ، وأنها تستطيع من خلال ما لديها من خوارزمات  لمعالجة اللغات الطبيعية والتعلم الآلى للإطلاع على المعلومات من مئات المصادر  ،  ومتابعة تقارير الأخبار بكل اللغات ، وشبكات الأمراض المعدية  وبيانات المناخ من الأعمار الصناعية الأشارة المبكرة للأوبئة المعدية  والتنبؤ بانتشارها ، والإعلانات الرسمية لإصدار تحذيرات سابقة لتجنب المناطق المعرضة لانتشار الفيروس ، من خلال القيام بتحليل وفلترة البيانات والوصول الى استنتاجات يتحقق علماء الأوبئة أنها منطقية من وجهة نظر علمية ، ثم ترسل تلك التقارير إلى الحكومات وقطاع الاعمال والصحة العامة ، كل ذلك يتم من خلال عشرات الخبراء المتخصصين فى مجموعة من التخصصات من ضمنها ، علوم المعلومات الجغرافية والتحليلات المكانية  وتصور المعلومات ، وعلوم الحاسب ، بالاضافة الى خبراء فى طب الامراض المعدية والطب الاستوائى والصحة العامة .

لقد أثبتت جمهورية الصين الشعبية من خلال تطبيقات الذكاء الإصطناعى ، قدرة عالية على التحكم في حركة الفيروس ووجودا في كل شبر من مدنها وقراها وجاهزية قصوى للتصدي للفيروس ، كما تحركت بحزم للتصدي لكورونا ، وحاصرته في الوقت المناسب وبدقة عالية ، وفي وسط ظروف، يصعب فيها التحكم والتعامل مع الأمراض المعدية ، نظرا للتعداد السكاني الهائل، والذي يفوق المليار وأربعمائة نسمة ، خاصة اذا علمنا أن الإزدحام هو أحد أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه الدول في معالجة الازمات.

ثالثا : الحماية من خطر العدوى والانتشار : وفى هذا الإطار يمكن الاستعانة بتقنيات الذكاء الإصطناعى التالية :

ا- استخدام الروبوتات كبديل للإنسان فى محاولات التخفبف من وطأة انتشار فيروس  كورونا المستجد وكبديلا مكملا للطواقم الطبية والمعاونة فى المستشفيات ، والاستعانة بهم فى الاعمال الشاقة والخطيرة التى يجب  على البشر الابتعاد عنها وتجنبها ، وذلك للتطهير فى أجنحة العزل ووحدات العناية المركزة ، وغرف العمليات وعيادات الحمى والمستشفيات الرئيسية التى تستقبل مصابى الفيروس ، ولإجراء أشكال متعددة من التطهير فى البيئات التى يعيش فيها البشر والألات الموجودة فى تلك البيئات  .

كما يمكن ان تقوم الروبوتات بفحص الاشخاص والكشف عن درجات الحرارة وأعراض فيروس  COVID-19 الأخرى ، وتقديم الغذاء والدواء للمرضى وتعقيم غرفهم لتفادى النقص فى وجود الفرق الطبية والتمريضية ، وتامينهم ضد العدوى .

ب-  الاستعانة بالطائرات المسيرة بدون طيار والتى تعد إحدى تقنيات الذكاء الإصطناعى والمزودة بعدسات تصوير حرارى وتعمل بالأشعة تحت الحمراء  ومكبرات صوت لاكتشاف الاشخاص المصابين بارتفاع فى درجة حرارة أجسامهم على مسافة معينة فضلا عن بث رسائل عن التدابير الوقائية التى تنبغى أن يتبعها المواطنين ، والقيام بدوريات فى القرى والطرق الحضرية للتحقق من اى سلوك قد يسهم فى انتشار الفيروس ، مثل عدم ارتداء الاقنعة والكمامات فى الأماكن العامة والمزدحمة ، ومراقبة من لا يلتزم بالتعليمات للإرشاد والتوعية ، مما ساعد فى تقليل خطر العدوى.

ج- الاستعانة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء غرف حجر صحي في وقت سريع لايتجاوز ساعتين فقط، وهو ما يُمكّن من بناء عدد كبير من غرف العزل تستوعب جميع أعداد المصابين في زمن قياسي ، كم يمكن الاستعانة بتلك التقنية فى تصميم اجهزة للتنفس الصطناعى وبدل ومسكات يرتديها – وهو ما أعلنت عنه جامعة حلوان بانها صممت وأنتجت كمامات مقاومة لعدوى كورونا دائمة الاستخدام من خلال طلاب كلية الهندسة – لمن تضطره الظروف لمخالطة المصابين اوالمعرضين للإصابة ممن خالطوهم ، كما تم الاستعانة بتلك التقنية فى تصنيع “أساور إلكترونية” للتعقب، وربطها بالهاتف الذكي للشخص المعزول لمراقبة تحركاته ، وضرورة  التزام الأشخاص بارتداء الأساور طول فترة العزل كشرط لعدم الخضوع للحجر الصحي.

د- الاستعانة بتقنية السيارات ذاتية القيادة فى تصميم سيارات إسعاف مسيرة ذاتيا لنقل المرضى والمتوفيين ، كذلك لتوصيل الأدوية والأطعمة إلى مستشفيات الحجر الصحى ومناطق الحجر الشامل للمدن والاحياء التى تم فيها الحجر الصحى ، دون أن يحدث احتكاك مباشر بينهم وبين غيرهم من أفراد الطواقم الطبية، والتوعية بمخاطر المرض وطرق الوقاية منه وأهمية وضرورة العزل الاجتماعى والبقاء فى المنازل .

رابعا : تسريع انتاج علاج وإيجاد لقاح للتحصين ضد الفيروس: 

إن الحرب على فيروس كورونا لن نتتهى أو تتوقف  إلا بتوفير أدوية وعقاقير جديدة ، وهذا الأمر فى ظل الاساليب التقليدية ، يمكن ان يحتاج الى مدة طويلة قد تصل إلى أعوام طويلة  وتكلفة تبلغ مليارات الدولارات ، ويمكن للذكاء الاصطناعى ان يساعد تسريع تلك العملية ، وفى هذا الاطار اعلن مختبر DeepMind لأبحاث الذكاء الاصطناعي أنه استخدم التعلم العميق للعثور على معلومات جديدة حول بنية البروتينات المرتبطة بفيروس COVID-19 ، يمكن من خلاله الوصول إلى أدلة مهمة لصيغة لقاح فعال من خلال فهم تراكيب بروتين ـ ويعتبر مختبر DeepMind واحد من العديد من المنظمات التي تشارك فى السباق لإيجاد لقاح فعال لفيروس كورونا.

وقد تم استخدم الباحثون الحاسب العملاق التابع للشركة المُعروف باسم سومت Summit) )، لفحص 8 آلاف مركب هي أكثر احتمالًا أن ترتبط بالبروتين الرئيسي فى فيروس كورونا ، وتجعله غير قادر على الالتصاق بالخلايا المضيفة في جسم الانسان وقد حددوا 77 مركبًا يمكن الآن اختبارها تجريبيًا بهدف تطوير لقاح فعال للفيروس .

خامسا : توفير تقنيات وتطبيقات للمساعدة فى العمل والتعلم بالمنزل من يعد :

جاءت “كورونا” لتحدث  تعديلات جذرية على سُبل ومفاهيم العمل بسرعة رهيبة وعلى مستويات غير مسبوقة في كل دول العالم بدرجات متفاوتة ، فى ظل طلبت الكثير من الحكومات من موظفيها وبعضهم التقليل من تواجدهم فى اماكن عملهم ،  واتخاذ اجراءات عديدة فى هذا الصدد العديد من الاجراءات التنظيمية لتحقيق ذلك كان من بينها تقليل عدد ايام التواجد فى العمل ومنح اجزاءات لبعض الفئات منهم ، والدعوة الى العمل من  المنزل  وغيرها .

الامر الذى اوجب على كثيرين ضرورة البحث عن “متطلبات العمل من البيت”، لتهيئة أنفسهم ، بعد ان اصبح الامر مفروضا عليهم ، حيث  بدأ الآلاف من الموظفين والعمال حول العالم بالعمل من منازلهم للمرة الأولى هذا الأسبوع بسبب تفشي ذلك الفيروس

وفى هذا الإطار يمكن لتقنيات الذكاء الإصطناعى تقديم برمجيات ومنصات وبرامج تدريبية للتمكين وتوفير بعض المتطلبات للنجاح فى ذلك سواء تعلق الامر بالانتاج او التسويق الالكترونى  ، إضافة إلى التطبيقات المتاحة والتى من بينها تطبيق RescueTime:، – تطبيق Trello: وغيرها .

أما بالنسبة للتعليم فإنه فى ظل إغلاق المدارس والجامعات تجنبا لانتشار الفيروس بين أفرادها، وفي ظل هذا العالم المنكوب بفيروس كورونا، سعت الحكومات إلى توفير التعليم والتعلم لأبنائها في ظل بقاء الطلاب في منازلهم بعيدا عن المدارس والجامعات يتعلمون فيها عن بعد.

ان الذكاء الصطناعى من خلال تقنياته المختلفة يمكن ان يوفر البرمجيات التى يمكن ان تساعد فى ترقية برمجيات ومنصات للتعليم عن بعد ، بما يجعلها أكثر فاعلية فى تقديم تعليم يتسم بالفاعلية ، ويوفر مزيدا من الفرص للتفاعل  بين المعلم وطلابه ، واستخدام المعامل والتقنيات الافتراضية لتدريس التدريبات العملية اضافة الى تقنيات الإمتحانات الإلكترونية وبرمجياتها وبنوك الأسئلة والمتابعة المستمرة لنتائجهم  ونتائج تقييمهم ، وتقديم أنماط من التعليم والتعلم التكيفى الذى يتناسب مع طبيعة وقدرات كل متعلم .

إننا فى ظل ما نشهده من هذا الانتشار الرهيب لهذا الفيروس اللعين  وضخامة ضحاياه من المتوفين والمصابين ، مع صعوبة وضبابية التنبؤ بما سيحدث فى المستقبل ، وفى ضوء تجارب الدول التى استطاعت أن تواجه ذلك الفيروس وتسيطر عليه ، ومن أبرزها تلك الدول الصين ، فإن الأمر يتطلب ضرورة الاستفادة من التقنيات العديدة الى يوفرها الذكاء الإصطناعى لمواجهة ذلك الفيروس الذى يهدد بقاء الكون الذى نعيش فيه ، تشجيع البحوث والدراسات فى مجال الذكاء الإصطناعى وتطبيقاته لإنتاج برمجيات وخورزمبات تطبيقة يمكن أن تكون مفيدة فى هذا المجال ، كما أن البشرية فى حاجة إلى الإستفادة من تطبيقات الذكاء الإصطناعى فى  اتخاذ خطوات إستباقية في مواجهة الفيروسات ، ومنحهم القدرة على تطوير لقاحات للفيروسات قبل ظهورها اعتمادًا على الطفرات المتوقعة في الحمض النووي لذلك الفيروس وغيره من  الفيروسات الحالية والمتوقعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى