لا حُدودَ لسقفِ بَوْحِك

عبد الناصر صالح | فلسطين

“إلى القائد الأسير أحمد سعدات ..سادن القدس “

يأتي الغَمامُ بما تجودُ بهِ السلالةُ

يوقِظُ الشّهواتِ في رُزْنامةِ المنفى

مواقيتاً مُلوّنةَ الرؤى أنّتْ على أوتارِ بوحِكَ كالنّدى القُدُسيِّ

فوقَ مآذنِ الأقصى

كأنّكَ تُرْضِعُ الأسرى تضاريسَ النّسورِ

فَمَنْ سيربحُ إنْ تنامى ظلُّهُم في حيّز التفريخِ

في زنزانةٍ ليستْ تُربّي خَلفَ عتمَتِها

سوى حُمُرِ المخالِبِ والمناقير التي نَقَشتْ على الجدرانِ

لازمِةَ النّخيلِ إلى العُلوِّ لكَيْ تظَلَّ القُدسُ عاصِمَةَ السّماءِ

ووجهَةَ الإسراءِ، مشكاةَ القيامة والتَّجلي في ثلاثةِ أحرُفٍ

رَمزِيّةِ التكوينِ، قدّسَها الإلهُ بنفحَةٍ من روحِهِ لتكونَ سِرَّ الكونِ،

سُرَّتَهُ الوحيدةَ في مَخاضِ الأرضِ، لؤلؤة الوجودِ وهمزة الوصلِ

التي لا قَطعَ فيها بينَ وعدِ اللهِ في الدّنيا وبعثٍ قادِمٍ لا رَيبَ فيهِ

وأنتَ عرّافُ التّرابِ على الرّباطِ، تُجدّلُ الكلماتِ في زنزانةٍ

أو خيمةٍ كي تستعيدَ أمانةَ الأقمارِ في غيبوبةِ الوَلَهِ الشّجيّ

عمائمُ الخُلجان ترقصُ في الكَنيسِ على خطايا التيهِ

تحت مظلّةِ التّطبيعِ

كمْ دشداشَةٍ مبتَلَّةٍ بالنفطِ

تردَحُ تحتَ قبَّعةِ “الحَاخام” بِعُهرِها العَلَنِيِّ

هل رقَصَتْ على أوجاعِنا ؟

ما كنتَ مرتبكَ النوايا أو صريعَ غوايةٍ في مَرْقَد النّزواتِ

وعدُكَ مُبْصِرٌ ..

معراجُ قافيةٍ إلى حاكورةِ الأجدادِ

لا عجزٌ يفرّغُ من حُمولتكَ الوفيرةِ

لم تَنَمْ عيناكَ،

ساهرتانِ

بين قذيفتيْنِ ومخلبيْنِ

ألا ترى ؟

عيناكَ تكتشفانِ في شَرْخِ الصّدى خَطْوَ الثّعابينِ

استَفَقْتَ مُعزّزاً وأضَفْتَ نيشاناً لأنساقِ القرى

سبعٌ عجافٌ قد مَرَرْنَ وجاءَ عامُ الخَصْبِ

– كمْ عَصَفَ الشّتاتُ بِهِ –

حقولُ القلبِ مُسْرَجَةٌ

فهل زاغَتْ رماحُ القَوْم أم عَثَرَتْ قوادِمُها؟

كأنّكَ ما عَرَفْتَ كَريهةً فَعَلَوْتَ بالقَوْلِ الرّصينِ

وماجَ بَحْرُكَ

ها عُصارَةُ شَهْدِهِ :

رَقَتِ القصيدةُ خِدْرَها واستَبْشَرتْ خَيراً

كأنَّ الحُلْمَ يَكبُرُ في بيوتِ الطينِ

في أيدي الصّغارِ وفي نُدوفِ القُطْنِ

حَدّقْ في البياضِ لتَعْبُرَ الشلاّلَ

يَعلو صوتُكَ الغابات إنّ البحرَ أمنيةٌ

– تبادلْنا الحَديثَ –

كأنّ صَوْتكَ يَرتَقي رَطباً جَنِيّاً

يَنصُبُ المُحْتلّ في الطّرِقِ الفِخاخَ على أكُفّ الليلِ

فادخلْ جملةَ النّصّ المُؤوّلِ فاتِحاً ..

كلّ التفاصيلِ ارْتَقَتْ للأخْضرِ الزّيْتيّ واعتَمَرَتْ لثامَ خَلاصِها

لا حيلةٌ للسّجنِ والجُبناءِ

يَرْتَعِدونَ خَوْفاً، يهربونَ إلى مَضاربِ ذُلّهِمْ

عكّا ملاذُ المُبْصرينَ فَهَلْ سَتغفِرُ للطُّغاةِ ؟

الرّملُ يَأذنُ للنّخيلِ بأنْ يُحلّقَ في تُخومِ الغَيبِ

عكا ، دير طريف ، القدسُ

ها قَبَسُ الحِكايةَ ليس يَخْفُتُ في ظَلامِ السّجنِ

فاسْتأنسْ بهِ

وامسِكْ على زِنْدِ العِنادِ

وقُلْ: نَكأْتُ الجُرْحَ وامّحَتِ الخُطوبُ

إذاً وَصلْتَ إلى الحقيقةِ

من يُهادنُ فيكَ روحَكَ حينَ يَنْفَجِرُ الصّقيعُ

ويَضْبِطُ الصوّانَ جَمْرَةَ نارِهِ

فاكْـتُبْ لِكي تَخْضرّ ناصيةُ الكَلامِ

وتَنْتَفي أُكْذوبةُ الحَمْقى ..

وكي تَبْقى النّوافِذُ مُشْرَعاتٍ

والقَصائِدُ تَرْدِمُ الفَوْضى هنا

فاصْعَدْ ..

فَدونكَ لا خَرائطَ للجهاتِ ولا دليلَ إلى السّماءِ

– أشَرْتَ للمعنى –

فَهَل يُجدي العويلُ وهَل  يُعيدَ مُشرّداً أو مَيتاً

أو يوقظَ الأغْصانَ غافيةً على خَصرِ السّمومِ؟

فما رَضَعْتَ سوى العُلا من ثَديِ أمّكَ

لا مَتاهةَ تخْطُفُ الرُّؤيا

فهلْ نَفَذَ الكلامُ إلى مَدارِ الصَّمْتِ ؟

ها قد أمْطَرَتْ مُهَجُ الغيومِ ليرتوي العَنقودُ

أو يَرسو شعاعُ البوحِ

ما نَسِيَتْ مَلامِحَها الشّوارعُ،

سوفَ يَنْهَضُ قمحُنا

كم طاعنٍ في السنِّ مَرّ على الثّغورِ

فهلْ سَيَخْـلُدُ للغيابِ النَصُّ

هل يخبو الحَنينُ.؟

كَأَنْ سَتوقِظُ يا رفيقي في حَواري الليلِ

نجمَتَكَ الوَريفَةَ،

هيّء المَعنى على كَفّ القيامةِ

جُلّنار الحَرْفِ يورقُ في الكِنايةِ

هَرْوَلَ الأعْرابُ ..

دَعْهُمْ يَعْمَهونَ بِغِيّهِمْ

لا بأسَ هَرْوَلَ شَيْخُهُمْ

وأميرهُمْ

وقطيعُ أُسْرَتِهِمْ

فلَنْ تُثْنيكَ سَجدةُ مُذْعِنٍ لِرَبيبهِ

قد أوغَلَ الأَوْباشُ واحْتَجَبَ الضّبابُ وما عَلَيْهِ من الصّدأْ

لم تَأْفُل الذّكرى ولا القلبُ انْطَفأْ

هلّا حَرَثْتَ مَطالعَ الأَسْلافِ

هل جَرَفَتْ مَعاوِلَكَ السُّيولُ وحاصَرَتْكَ عُرى الظّمَأْ ؟

الكَهْفُ لنْ يبقى طَويلاً فالتَزِمْ أَثَرَ الرّصاصَةِ

– لن تَضِلّ سَبيلَها –

واحفُرْ ظِلالكَ في ثوابِتِنا أميناً للحِكاية

واثِقاً أبَداً

كأَعْطافِ الرُّعودِ قَويّةً

إنّ الخَراجَ إليكَ سوْفَ يَؤولُ

فاحْملْ صَخرةَ الميثاقِ يا سيزيفُ

مَنْ للقدسِ غَيرُكَ منذُ كانَتْ

إنّ مَنْ فَقدوا مفاتيحَ البيوتِ سَيَملؤونَ الحيّ

فابحِرْ – كيفَما شاءَت رُؤاكَ – إلى جَلالَتِها

كأنْ تَسْرُجْ مَمالِكَ عُمْركَ المَسلوبَ،

تدّخرُ الفَضيلةَ حِكْمَةً

أتُرى اعْتَصَمْتَ بِحَبْلِها

وكَتَبْتَ في أوراقِها سِبْرَ المَواويلِ التي اكتَمَلَتْ

بأنْسِجَةِ الضُّحى ؟

حتماً سَتنْفُضُ كلَّ نازِلةٍ

وتخْرُجُ مِنْ رِداءِ السّجنِ

مؤتَلِقاً كما الماءِ النَّميرِ على كِساءِ الرّوحِ

مَنْ للقدسِ مُذْ كانَتْ على مَرْمى الرّسالةِ

لن يَضيعَ هَديلُ حَرْفِـك في الدُّخانِ

تَصدّعَتْ كلّ السّنينِ،

كأنّما تَمضي إلى وَهْنٍ عَقارِبُها

فهل أخْفَقْتَ ؟

ما أخْفَقْتَ

حرفُكَ رائدٌ ، فاحرِصْ على عِقْدِ الوفاءِ

تَزِفّك البُشرى إلى ميعادِها الرّائيِّ

يَنْعَتِقُ التناغُمُ في مدارِ القُدْسِ

لا بابٌ لِيَدْخلَهُ العَدوّ، فَقِرّ عَيناً

واحْتَرِسْ

ماذا أسَرَّتْ للزّنازينِ القَصيدة ُ ؟

إنّهُ الوَعْدُ الذي ما ضَيّعَتْهُ خَطيئةُ السجّانِ

فاحفَظْ عُشْبَ روحِكَ مِنْ صُكوك المَسْخِ

واختَصِرِ الكَلامَ بِطَلْقةٍ أُخْرى ..

نَهَلَتْ يمينُكَ مِنْ نَعيم الفَخْرِ

وانشقّ النّهارُ على يديْكَ

فلا تُؤَجّلْ بَعضَ حُلمِكَ

لا حدودَ لِسَقْفِ بَوحِكَ يا أبي

نَبَتَتْ رُؤاكَ على شَفيرِ العُمْرِ مُشْبَعَةً بِصَفْوِ غِنائِنا

فوقَ الجوامعِ والكنائِسِ والبُيوتِ

فَرُبّما أذِنَ الصّباحُ لنا

لِنَعْبُرَ رِحْلةً كسَرَتْ مَخاوِفَنا

فهاتِ يَدَيْكَ

كلُّ أصابعُ الكفّينِ شاهِدةٌ

على حَقْلٍ تَسامى في الخليل

هل احْتَمَلْتَ القَيْدَ أمْ نَزْفَ الصّليبِ ؟

شهادةُ الميلادِ أنتَ

وأنت بَسْمَلَةُ الرّجوعِ لِمَنْ يَضِلّ

فلا حدودَ لِسَقْفِ بَوْحِكَ يا أبي ..

هيّء لنا لُغةً تَوَضّـأ زَيْتُها في رقْصَةِ الميلادِ

يَمّمْ زَحْفَنا الجَمْعيَّ نَحْوَ القُدْسِ

يَنْفَتِحُ المدى ..

يَنْداحُ صَوتُكَ صارماً كالسّيفِ

تَنْبَلِجُ الحِكايةُ خلفَ مَلْهاة الطُّغاةِ

تَجيءُ بالنّبأ العَظيمِ :

الحَرْفُ بَعْثٌ حينَ يَطْغى الجَهْلُ

نافِذةٌ تُطِلُّ على البِلادِ

فَهلْ يَخُطُّ الحَرْفُ فَوْقَ المَوْجِ

قافِيةً تَصُـدُّ اللّيلَ عن إيماءَةٍ مَفتوحةٍ كالحُلْمِ ؟

هل أرْخَتْ سُدولَ الرّيحِ هَوْجاءُ الصَّفاقَةِ

أم تَبلّلَتِ القِبابُ بلَوْعةٍ ثَكْلى

بِأَشْجارٍ تُؤَبّدُ لَونَها في الأرْضِ ؟

تَخْتَلِسُ الفُجاءَةَ يا رفيقي  ..

مولَعاً بِعباءَةِ الصّوفيّ

تَقتطفُ الفُصولَ مُرَشّحاتٍ

كيْ يُعالِجْنَ انْزياحَ النصِّ عن مَعْناهُ

فاعتَنِقِ الوَصيّةَ ..

إنّما الأنْهارُ تَغْزِلُ عُمرَنا الآتي على نَسَقِ الخَريرِ

لِتَطمَئنَّ على سُلالَتِها الجُذورُ

كأنّما وُلِدَتْ بَشارتُنا على صَدْرِ القيامةِ

قادمونَ

وقادمونَ

وقادمونَ

كأنَّ عاصفةً على وشَكِ المخاضِ الآنَ

فارفَعْ إصبَعَيكَ إشارَةً للنَّصرِ

واختَتِمِ القَصيدَةَ بالنبوءَةِ واليَقينِ

فما المجازُ سوى وشاحٍ من مدى الكَلِماتِ يَغسِلُ دَمعَها

وأنا أراكَ الأنَ فِيَّ فَهل تراني فيكَ حياً؟

ربّما وَحْياً أراكَ

ولا حدودَ لِسَقفِ بَوحِكَ

أنتَ فاتِحَةُ النّشيدِ

وأنتَ خاتِمَةُ القَصيدِ

وأنتَ أحمَدُ

أنتَ أحمَدُ

أنـتَ أحمـدْ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى