ثقافة التحجر.. ثقافة التمدن و وهم الريادة

عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري

منذ بدايات اطلاعي علي الأداء الثقافي العربي عبر مناهجه الوهمية التي لم يتم إنتاجها من بيئة لغتنا ومن تنوع ثقافة منتجنا الإبداعي في شتي أشكاله وخاصة الشعر العربي وأنا في حيرة من أمري،ودائما ما أطرح علي نفسي أسئلة لم أجد لها إجابات صحيحة وقادرة علي تصحيح العوالق وازاحة الأوهام والمتاريس التي أوقفت مسيرات التصحيح وإنتاج دلائل علمية ومناهج تبرز قيمة وخصوصية الشعرية العربية، وهي تقف علي أرض الفوران الحالي من تعدد قضايا الأمة، وكان من أهم الأسئلة التي واجهت بها نفسي؛كيف نخرج من أنساق الاستعمار الفكري والمصطلحي الذي لازم حياتنا العربية منذ ولادة العصر الأموي وتوهج بضروراته وانفتاحاته علي الغرب تحديدا من واقع استعماره لأرضنا وبيئتنا التي كانت تحتاج إلي التواصل الإنساني والجمالي والانفتاح التمدني ومجاراتهم _ الغرب _؛ حتي نخرج من ثقافة الصحراء وحروبها ومنازلات القوة فيها بين الأفراد الأفراد وأيضا بين القبائل مع بعضها؟.

كانت هذه بدايات الخروج عن ارتداء معطف عربيتنا والنزول نحو بهرجة الحياة وتمدنها وهو ما كنا في حاجة إليه، لكننا لم نحسن وفادته الينا وسخرنا أدواته لصالح ما كنا نميل نحوه وتوغل في ثقافة الإحتياج والمدح والذم والقوة وكل روافد ثقافة الصحراء فينا وهي أصل منبتنا،بل وتركنا أنفسنا لهذه البهرجة المدنية الجديدة علي ثقافتنا لنصبح نحن ومنجزنا الثقافي والإبداعي خاضعين لها ولم نفكر في أمر الاستفادة منها حتي يكون الأمر في طوعنا وتحت إدارتنا،بل كنا نحن من خضع وأصبح تابعا حتي بات الأمر علي واقعه حتي وقتنا هذا، مما كان له الأثر البالغ في توقف وربما في تشويش مسارات خصوصية البيئة وخصوصية الثقافة ومن ثم خصوصية النتائج في الإبداع والعلم في شتي مناحي الحياة العربية.

كنت في حاجة إلي هذه المقدمة التي حطت بأوجاعي علي أوجاع الشعرية العربية التي ما زالت تعاني من الخضوع إلي ثقافتين؛حيث لا يزال الكثير من المهتمين ومن المبدعين الوقوف علي أطلال ثقافة التحجر؛ وهي ثقافة الصحراء التي أسس لها السلف والثانية هي ثقافة التمدن التي كان لابد لنا الاستفادة منها كي نقودها وننتج منها حاجاتنا العلمية التي تتناسب مع بيئتنا وثقافتها ولغتها وأخلاقها المختلفة في كل مناحي حياتنا وخاصة الشعر،لا أن نترك لها قيادتنا في نتائج جمال وحارات عربيتنا.

والشعرية سمو وجودها هو خضوعها لبيئتها ولثقافتها ولمكونها الحالي من تعدد قضايا الإنسان في العام والخاص،وعليها إبراز فقه وتشريع وجودها الجمالي والإنساني لتقود مناهج تكوينها وتطورها واستنطاق روافدها ليكون الشاعر ابن حاله،واللغة أداته التي يطوع بها مقاديرها ومحتواها، فهو إذا من قام بإنتاجها ،وتحويلها إلي أنساق جمال الإنسان والطبيعة والشجر والخضرة والمياه وما عن له وما اتسع من فيوضات.
لتتحول الشعرية إلي مادة جمال تخرج من ماعون يخص البيئة وثقافتها ويمتلك أحجام الأدوات بنسبيتها التي تزيد من شاعر إلي آخر.

قلت، من سابق ما قلت:
أن للشعر فقهه وقانونه ومن أول مواد فقهه الا يتعالي ناقد أو نقد علي الشعر،فالشعر هو السلطة الفوقية والفرق واسع حد عرض وعمق البحار بين دارس للغة ومحفظ لعلومهاوبين شاعر يجيد طهي القليل منها “اللغة”،ليصل منتجه إلي أعماق أعماق الجمال و مدارك الصفوة من المتخصصين في علوم اللغة ونقد إبداعها ،_ إن توصلوا _، وربما فات علي ذهنية الشاعر بعد قراءة نصه المولود أن يراجع خطأ ما،نحوا أو صرفا أو تصريفا لوضع قافية أو ما شابه؛فهل يستوي من أنتج البحر بتفاصيل مجراه وحراكه ودرره وخيره وشره مع من راجع خطأ لم يؤثر في متنه كان عالقا فوق مجراه؟!.

نعم يكون من الأجمل أن يراجع الشاعر كتابته قبل نشرها،لكن عليكم أن لا تنسوا أن الشاعر في كثير يكون متقمصا أحواله ولم يخرج إلي ذهنية المراجعةوينسي تصحيح خطأ ما أو ربما لم تدركه ذهنيته أو تدقيقه؛كما أن للشعر فقه وقانونه وأحقية الشاعر أن ينحرف بمسار النص قليلا عن قانون العلم اللغوي في مجري إنتاج مسار جمالي مغاير لا يفض بكارة علمية اللغة بل يمنح مستجدا وعلي علماء اللغة الوقوف علي منصات معاملهم للتشريح والتوثيق؛لأن اللغة وجدت حتي تقبل الاتساع في مجاريها من العلوم المتعددة التي وقفت منذ عشرات السنين في ثبات الركود وفوضي الوجود.

والشاعرالذي تحققت خبراته دائما يكون الطرف الأصل والناقد الطرف الثاني بعد الشاعر مهما كانت قيمة النقد وحتي تصحيحاته التي يراها حسب أصل العلم ويراها الشاعر أصل فقه الشعر وقانونه.

ولا يوجد شاعر عربي يكتب أحوال شعريته ولم تجد له مسارا منحرفا عن أصل علوم اللغة الثابتة،يضيف لها ويمنحها اتساعا يتناسب ويتوافق مع مستحدث وبروز واقعها المستجد مع بيئتها وثقافتها وريادتها، بدلا من المفردات الأعجمية التي حطت علي قاموس لغتنا العربية من دون ضابط أو رابط
لأن الشاعر جزء من مكونها، ولأنه يبدع الأحوال في شعريته ولا ينظم بذهنية المعلم الذي يمنح ذهنيته تأهبها وادراكها الواسع حتي لا يخطئ في نظمه وهؤلاء من تسببوا في كارثية توقف العمل عن التطور بسبب نواقصهم
التي يحاولون منها اصطياد بعض الهنات من الأخطاء التي لن تؤثر في متن وشكل النص وهذا حالهم وقد سبق لبعضهم أن حاولوا بجهل مقيم أن يتطاولوا علي النص القرآني بوجود أخطاء وهذه وجهة نظرهم غير المقبولة وهي لم تدرك أن الله سبحانه هو من أوجدنا وأوجد لكل أمة لغة تخصها، فماذا نقول عن هؤلاء؟!.
الشعر رافد أصيل من مكونات اللغة بعد النص المقدس،ولا يمكن لأحد من علماء اللغة إنكار ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى