خٌذلت القدس، لكنّ الأحرار لا يستسلمون ولا ينهزمون

الدّكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام | الجزائر

حين تنتشر الخيانة بين النّاس، وحين يفشو الذّلّ في الرّجال، وحين يسكن الحبن النّفوس، وحين تباع الكرامة في سوق النّخاسة، وحين تشترى الأعراض وتباع الذّمم، وحين تكثر المؤامرات  وتزداد المناورات.. فاعلم أنّ الحياة لم تعد طبيعيّة، وتأكّد أنّ الخلل يسري في مجاريها.. الخلل يَنْتُجُ عن الـهوان الذي يتعمّق النّفوس، والزّلل يكون من القلوب المريضة بداء التّسليم في المروءة.

هذا ما أوصل العرب والمسلمين إلى التّسليم في كرامتهم، والتّخلّي عن شهامتهم، والتّفريط في مروءتهم.. فقدّموا القدس للصّهاينة هديّة في طبق من ذهب،  فذهبت نخوتهم، وتفاخروا أنّهم سجّلوا أسماءهم في سجلّ ” صفقة القرن”، التي تخلّدّ ذكرهم في تاريخ من أذلّهم وختم على قلوبهم بالهوان، وجعل على أبصارهم غشاوة، وعلى بصائرهم  عمى، وطبع على عقولهم بالغباوة، ووسم على نفوسهم سمة النّذالة.. ورسم على تفكيرهم صورة السّفاهة والحماقة والجهالة، فتقدّموا ليلبّوا طلب أسيادهم لاغتيال القضيّة الفلسطينيّة، وتنافسوا في الإجهاز على أحرار فلسطين، وتسابقوا وسبقوا إلى تنفيذ مؤامرات سراتهم ومريديهم في إنهاء الوجود العربي الإسلامي في أرض  فلسطين..

حسبوا ذلك عملا صالحًا، وأنّهم أهدوا صنعًا لأنفسهم؛ ليكسبوا مزيدًا من العطف والشّفقة، ومزيدًا من العطايا والمزايا ممّن أذّلهم وقادهم إلى ارتكاب الحماقات التي تعود عليهم بالوبال والثّبور، ونسوا أنّ ما أقدموا عليه من خيانة القضيّة الفلسطينيّة، والمشاركة في وصمة القرن، ومباركة صفعة القرن..ماهي إلّا بصقة القرن التي ابتلعوها من أسيادهم لتجرّعهم من بعدُ مرارة الانقياد إليهم والغدر بهم، وإلحاقهم بتداعيات هذه الصّفقة المشؤومة عليهم أوّلا.  فدخلوا بذلك بوّابة، كتب عليها:  ” أكلت يوم أكل الثّور الأبيض.

هم يطنّون أنّهم بالتّطبيل للتّطبيع مع الكيان الصّهيوني، والتّعاون معه  في تقنين صفقة القرن؛ لإنهاء ما يسمّى قضيّة المسلمين الأولى والمحوريّة (القضيّة الفلسطينيّة) يطنّون أنّهم يحسنون صنعًا، إنّهم الأخسرون لما يطمعون فيه من تقدير أسيادهم لهم، الأخسرون بالعيش في أمن وسلام  وفي مأمن ممّن خانوهم، الأخسرون في القضاء على جهاد الأحرار لانتزاع الحقّ من الغاصبين، واسترجاع القوّة والتّآزر والتّضامن لقهر كلّ الأعداء الذين تواطؤوا وتآمروا على القضيّة الفلسطينيّة، من أيّ جنس كانوا، ومن أيّ فئة انحدروا، وفي أيّ مكان وجدوا، وبأيّة صفة ظهروا..

نقول لهم: لقد ضلّ سعيكم، وخابت آمالكم، وخسرتم معركة القضاء على القضيّة الفلسطينيّة، وسيعود  خذلانكم لجهاد الأحرار، وخيانتكم للقدس عاصمة الدّولة الفلسطينيّة.. يعود عليكم  بالنّكال والوبال وسوء الحال وشرّ المآل.

 إنّ في الأمّة الإسلاميّة رجالًا وأبطالًا لن تؤثّر فيهم خيانتكم، ولن تصرفهم صفقة القرن عن المقارعة والمنازلة والمصارعة من أجل الحفاظ على أصالة القدس موطنًا  عربيًّا إسلاميّا من دون منازع.

خاب من خان أمّته، وخسئ من خسر كرامته، فمن أظهر النّفور من الذّود عن حياض القدس، وأبدى النّفار مع من يريد سلبها واختلاسها من أصحابها الشّرعيّين الحقيقيّين.. فليعلم أنّه خاسر للمعركة، وخائب في مسعاه، ومعرّض نفسه للهلاك، ومُلقٍ بنفسه إلى التّهلكة..فإنّه لن يجد من الرّجال إلاّ النّبال والنّصال والحرب المستعرة، من دون هوادة ولا تراجع؟

أقول في النّهاية شكرًا لصفقة القرن التي أسقطت القناع، وكشفت الخداع، وأبرزت الأطماع.. وأبانت عن المكر، وفَصَلَتْ بين الخير والشّر، وميّزت الطّيّب من الخبيث، وفرّقت بين الشّجاع والجبان، وعزلت النّصر عن الخذلان..شكرًا لصفعة القرن، التي ضربت في الوجوه والقلوب والجسوم لتتحرّك بقوّة للدّفاع عن الكرامة.. شكرًا لصعقة القرن، التي صعقت الجميع لينهضوا للذّود عن الشّهامة، شكرًا لوخزة القرن، التي وخزت الكلّ ليعملوا  على الالتفاف حول الحمى (فمن لم يَذُدْ عن حوضه بسلاحه يُهَدَّمْ).

يا أبناء الإسلام الأصفياء، يا أحفاد اللأبطال الأوفياء..علّمنا التّاريخ أنّ المسلم لا يستسلم ولا ينهزم، ما دام متمسّكًا بدينه وملتزمًا بأصوله. وأنّه لا يقهر مهما تكن المؤامرات، ومن أيّ جهة تأتي، وبأيّ صفة تتحرّك.. ما دام الصّدق في الجهاد قائمًا والإخلاص في العمل سائدًا.. إنّ الحقّ الشّرعي لا يضيع ما دام وراءه طالب دائب..

وَللحريّة الـحَمْــــــراءِ بــابٌ

 

بِكُلِّ  يَدٍ  مُضَرَّجَةــــٍ يُدَقُّ

إنّ صفقة القرن لا تنفذ إلى أعماق القدس وفلسطين؛ لأنّ الله القهّار للظّالمين، المكّار بالماكرين، وعد بنصر جنده وهزم حزب الشّيطان، ومعاقبة الخونة والكفرة..: ] إنّ الله يُدافعُ عنِ الذين آمنُوا إنّ اللهَ لا يُحبُّ كُلّ خوَّانٍ كَفور أُذِنَ للذينَ يُقاتَلون بأنّهُمْ ظُلمُوا وإنّ اللهَ على نصرهِمْ لقديرٌ  [ ( الحجّ/ 38، 39). صفقة القرن ظلم،  التّواطؤُ مع الصّهاينة الأعداء كفر وخيانة، الذين يقاتلون في الوقوف أمام وصمة القرن  هم في حال الدّفاع عن حرماتهم وحقوقهم، لذا وعد الله عزّ وجلّ بالدّفاع عنهم، وهو القادر على نصرهم.. أكّد ذلك بقوله: ]إِنَّا لنَنْصُرُ رُسُلَنَا والذينَ آمنُوا في الحياة الدّنيا وَيَوِمَ يَقُومُ الاشْهادُ[ (غافر/ 51).

المدفعون عن القدس، الواقفون في وجه الظّلم، المناهضون لصفغة القرن رسلُ الحقّ ورسل السّلام، وهم المؤمنون حقًّا بالواجب في الجهاد والنّضال.. فالله ينصرهم على الطّغاة والغاصبين والمحتلّين.. إنّ الأحرار لا يستسلمون ولا ينهزمون بإذ ن الله تعالى.

                                  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى