عمر الخيام ينظم رباعياته بالعربية

عمر الخيام ينظم رباعياته بالعربية

لن نتطرق إلى ذكر أصول عمر بن الخيام العرقية، وتبيان جذورها ما بين القبائل العربية التي استوطنت نيسابور، فهذا الشعب الذي يقطن فارس كما تقطنه أقوام شتى ومن بينهم العرب الذين هاجروا بأعداد كبيرة ليستقروا بها كما استقر أسلافهم في شرق خليج فارس  الذي يصر القوميون العرب على تسميته بالخليج العربي، ينفرد اليوم بدولة مستقلة تسمى إيران، وتتحدث بلغة تسمى الفارسية الدرية وكانت من قبل تعتمد لغة كردية تسمى الفهلوية ظلت مستخدمة إلى عهد سيبويه. والمعروف أن هذه اللغة المؤلفة من شتات اللهجات المحلية بما فيها لهجة سيبويه في موطنه البيضاء بشيراز الذي دفن فيه رحمه الله. وقد اكتملت عملية تأليف هذه اللغة الوليدة بالاستناد إلى قاموس العربية الثر العزير، ولاعتمادها فيما بعد لغة قومية لشعب آلمه دثور لغته الرسمية باندحار دولة الشرك بعد قرنين من بداية الفتح الإسلامي لفارس، لم يكن فيها الفرس يتحدثون إلا لغة الإسلام العربية، ثم لاحت لهم فرصة ذهبية للاستقلال في دولة منفصلة عن الخلافة الإسلامية وإن ظلت إلى زمن بعيد تعتبر نفسها لا تزال تحت سلطة الخليفة العباسي الشكلية.

ومما لا شك أن قرني الصمت هذين،كما يسميهما علماء فارس، قد نشأ في تاريخ غير محدد منهما تطور لعروض الخليل ظهر فيه وزن يمزج بين وزنين هما الخبب والرجز، ويؤلف منهما نسيجا مبتكرا سمي في البداية الدوبيت، ثم اختار الفرس له بعد ذلك اسما لا يذكر بأثره العربي الذي يريدون نسيانه فاختاروا له تسمية الرباعي. ولأن هذا الوزن كان مخالفا لعروض الخليل القائم على الدوائر، نظر العلماء الفرس المتدينون إليه نظرتهم إلى فن ارتجالي لا يجدر به أن يتساوى مع فصيح الشعر أو جزيله وهو ما يجلونه ويحترمونه لأنه بلغة القرآن، واقتصر تداوله في البداية على الصوفيين وبعض العلماء كعمر الخيام مثلا بلغة عامية (ولم تكن هذه العامية إلا لغة الفارس الحديثة النشأة إذ ذاك) وهو مسلك نجد نظيره في الجزء الغربي من الامبراطورية العربية حين ننظر إلى بعض علمائها الذين مارسوا نظم الزجل، ولكنهم استنكفوا من بعد عن تسجيله وتضمينه كتبهم، وهو ما كان من شأن عمر الخيام في روايته الشفوية للنماذج التي ينظمها على الدوبيت، تسرية لنفسه حتى تنبه الغربيون إلى ما يحمله هذا الشعر من عبقرية في التصوف أو ربما في العبث، فترجموه وأشاعوه بين العالمين. وهو ما يذكرني بابن خلدون الذي كنا نعده مجرد  عالم من عديد العلماء الكثيرين في أمتنا العربية حتى خرج لنا الغرب بحقيقة أنه رائد علم الاجتماع، فزادت قيمته بيننا اليوم زيادة ما كنا نوليها له في زمانه الذي نذر نفسه فيه لخدمة السلطان الببري تيمور لينك.

قال عمر الخيام على لسان شيخنا د. عمر خلوف:

 لو نلتَ ومَن تُحبُّ ما رُمْتَ وشِئْتا

وحَيِيتَ مُمَتَّعاً بلَذّاتِكَ شَتّى

فلسَوفَ تُفارقُ الدُّنا ما عِشْتا

وحَياتُكَ لم تكنْ سِوَى حُلُمٍ شَتّا

وقال أيضا:

 

يوم من عمرنا يمر كماء * في النهر وكالريح في البيداء

لن أحمل ما حييت هم حياة * يوم ماض وآخر لم يات

وهذا الشعر  المشطور  المختلف عن  النموذج  الذي سبقه، كما نراه في أحد  ابتكارات  عمر  خلوف الوزنية، ينسجم جميعه مع ما نظمه عمر الخيام بالعربية على أوزان الخليل الأخرى، وهو ما لم نجد الفرس المعاصرين حاولوا ترجمته إلى فارسيتهم الحالية.

والخلاصة في هذا الموضوع، أني أرى شيخنا عمر خلوف بترجمته هذا النص من الدوبيت لعمر الخيام قد ارتكب خيانتين، خيانة النص كما يقول المثل الإيطالي، وخيانة قصد عمر الخيام من تخليه عن نظم تلك الرباعيات باللغة التي يجلها وهي العربية.

ولا بأس هنا من إيراد النسق العروضي غير الخليلي الذي يؤكد عروبة هذا الوزن، وهو:

(س = سبب خفيف، (س) = سبب ثقيل،  و = وتد مجموع، – = مقطع طويل،  ب = مقطع قصير)

(س)(س)(س)[س] | س س و | (س)(س)[س]

وهو شكل يعطي من النظرة الأولى صورة تحليلية لنسق وزني جديد، يمكن التمثيل له بالدوبيت الذي نظمه الحلاج  (ت 309 هـ)، وهو أقدم دوبيت بالعربية وصلنا، قال:

كم ينشرني الهوى وكم يطويني

ـــ ـــ ب ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ

يا مالك دنياي ومالك ديني

ـــ ـــ ب ب ـــ | ـــ ب ب ـــ | ب ب ـــ ـــ

يا من هو جنتي ويا روحي أنا

ـــ ـــ ب ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ـــ ب ب ـــ

إن دام عليّ هجركم يعييني 

ـــ ـــ ب ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ

 (س)(س)(س)[س] س س و (س)(س)[س]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى