ذكري رحيل ريحانة القراء ” الشيخ المنشاوي “

دكتور/ عبد العليم المنشاوي

{عمر قصير… رحيل طويل.. ومازال يتربع علي عرش التلاوة}

ذكرى رحيل الصوت الخاشع الباكى الشيخ “محمد صديق المنشاوى- رحمه الله وطيب ثراه”، أحد أعلام قراء القرآن الكريم في مصر والعالم الإسلامي، والذى توفى في مثل هذا اليوم 20 يونيو عام 1969، هناك وفي اقصي صعيد مصر بمسقط رأسه ( مركز المنشاه – محافظة سوهاج) يرقد بسلام رجل من افضل ما ولدمن رحم حواء في العالمين صوتا وتلاوة.تربى بين أحضان التضرع  والخشوع والسكينة فأصبح رئيسا لجمهورية الاحساس بلا منافس، رجلٌ تجاوزَ بصوتهِ الدافئِ الحنون حدودَ الزمانِ والمكان، صوته فريد غريب باهر صاحبه فقط يصيبنا بقشعريرة و خوف و خشية و خشوع ، فيحقق فينا قول الله تعالي :”اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ”هذا القارئ الذي يصدق عليه حديث النبي صلي الله عليه وسلم ” إن أحسن الناس قراءتا من إذا سمعتموه حسبتموه يخشي الله”.فحينما يقرأ لا يقرأ بصوته ولكنه يقرأ بقلبه وعندما يرتل القرآن تدمع عينك وتشعر بأنه يحدثك من قلبه.

الله رزقة الإخلاص لعل بينه وبين الله سر،رحل الشيخ وما رحل لقد غاب ظلك عن ناظرَيْنا  ولكن جسم طيف روحك في قلوبنا ،لقد رحلت عنا بجسدك وكيانك  وما رحلت عنّا بروح تلاوتك وبيانك ،ما أعظم التركة والصدقة الجارية التي أبقيتها لأمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم … قرآنا يتلى إلى يوم القيامة بصوت عذب خاشع حزين باكوشاء ربك أن يرحل الشيخ عن هذه الدنيا وهو في زهرة العمر وقمة العطاءونحسبه أنه قد أدى رسالة ربه وصدح في سمع الزمان كلام العزيز المنانبصوت قلّ نظيرهوأداء لا يدانيه فيه قرينه وحزن لم أرى في الكون مثيله.

لقد قرأ القرآن بكل ما أوتيمن براعة اللسان، وسحر البيان،وحضور الجنانلقد أسِرَ بتلاوته قلوب المحبين  وألهب عواطف السامعينوشهد له الناس أجمعينلأنه يُخاطب الناس بقلبه  ويُؤلمهم بحزنهويُخشعهم لبكائهوتستمع لقراءته وكأنه يتنزل عليهتلاوة واضحة مفهومة جامعةإنها التلاوة التي تَشُدُك إليها  وتُحببك إلى سماعها  وتَخشع لأدائها،إنها القراءة التي لا تَملّ سماعها  ولا تسأم من تكرارها  ولا تنتهي براعتها وأسرارها.

إنها القراءة الدائمة في كل زمان ومكان والى يوم العرض على العزيز الديان،تستمع إليه وقد فتح الله تعالى عليك من مدارك الفهم والتلقي والاستيعاب للتلاوات  فيلهمك تذوق فنون الحروف والكلمات ومحاسن القول والعبارات وعذوبة الصوت والنبرات وثراء اللغة واللهجات  وعظم التنزيل في القراءاتإنه يجول بك من فضاء إلى فضاء  وينقلك من عالم إلى عالم وتعيش معه من عصر إلى عصر وكأن الزمان بين يديهفيحدثك عن بداية الخلق وحياة البشرية  وعن آدم وتعاقب الذرية  وعن حياة الأنبياء والرسل  وعن مصارع الأقوام والأمم  وعن حياة الصالحين أصحاب الهمم  ويحدثك عن الأخلاق والمبادئ والقيم  بهدوء العالم المتبصر والفقيه العارف المتفهم والداعية المشفق الناصح.

قصر عمره فمات وهو بن 49 عاما فأحياه الله بين الناس ببركة القرآن الكريم 51 عاما فوق ال49وسيظل الشيخ محمد صديق المنشاوي إن شاء الله تعالي صوته الحنون يشجو بكتاب الله الي أن يرث الله الارض ومن عليها.لقد استمعت إليه ما يقارب الأربعين عاما ولازلت ، وليته يرافقني في قبريويوم أن أقف بين يدي ربي فأقول ” أحببت هذا العبد فيك يارب ” فأجمع بيني وبينه وأحبابنا في زمرة نبينا وتحت لواء حبيبنا  سيدنا محمد ﷺوارزقنا وأياهم رضاك والنظر إلى وجهك الكريم .. فالمرء مع من أحب يوم القيامة …. إن رب قريب مجيب..اللّهمّ آمِين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى