المشاعر  بين الكسر والأسر

د. عادل المراغي| من علماء الأزهر الشريف

لفت نظري في قصة سليمان عليه السلام أنه احترم مشاعر النملة الخائفة من عدم احترام وجودها وتقدير مملكتها بأن يحطمها سليمان وجنوده في وادي فسيح مترامي الأطراف، وما كانت تعرف أن الأنبياء يحترمون الإنسان والحيوان ويقدرون مشاعرهم، فغير سليمان مسار الجيش كله حتى يحافظ على مملكة النمل، فاحترام المشاعر لفتة تربوية جميلة ورقيقة لا تصدر إلا من رحيم كريم ومتواضع، فالمتكبر والمغرور لا يفكر إلا في نفسه.

لفت نظري أن رسولنا الكريم عندما يرى خطأ من أحد، ما كان يوجهه أمام أصحابه وإنما يقول «ما بال أقوام يفعلون كذا» احتراما لمشاعره.

 لفت نظري عندما بال أعرابي بالمسجد فاعترض عليه الصحابة فقال لهم رسول الله «لا تزرموه» أي تقطعوا بوله، ثم علمه بعد ذلك أن المساجد للعبادة لأن الأعرابي كان جاهلا ولم يكن متعمدا فتعامل معه بكل احترام واحتواء وإشفاق.

 لفت نظري أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر الشريف حتي ينهي الناس عن جرح شعور عكرمة بن أبي جهل لما أسلم وسب الناس أباه (فقد شكا عكرمة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه إذا مر بالمدينة قالوا : هذا ابن عدو الله أبي جهل ، فقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)

لفت نظري أن رسولنا الكريم لم يجرح السائل الذي لا يستحق المال وإنما يعامله بلطف، فقد جاء رجلان للنبي في حجة الوداع وهو يوزع الصدقة فسألاه من المال، فرفع بصره ورآهما في صحة وقوة جيدة فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب»، فتعامل معهما بلطف من غير جرح مشاعرهما، فلم يقل لهما أنتما لا تستحقان من مال الصدقة لأنكما بصحة وقوة وتستطيعان العمل أو لم يكذبهما أو يغلظ عليهما.

لفت نظري مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر أصحاب المهن والمستوى الاجتماعي الضعيف فأمرنا رسول الله عندما يأتي الخادم بطعام أن نجلسه معنا أو نعطيه من الطعام فقال «إذا أتى أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين».

لفت انتباهي مراعاة نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام،  لمشاعر الأم عندما يبكي طفلها أثناء الصلاة فكان النبي يخفف في الصلاة عندما يسمع بكاء الصبي.

لفت نظري احترامه صلى الله عليه وسلم لمشاعر أهل الميت فأمرنا رسول الله أن لا نسب الأموات سواء أكانوا  مسلمين أو غير مسلمين لأن الشتم إذا وصل لأهله فإنهم سيتأذون فقال «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا».

(يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا ، فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغ الميت ” ، فلما بلغ عكرمة باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استبشر ووثب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما على رجليه فرحا بقدومه).

لفت نظري مراعاته صلى الله عليه وسلم لمشاعر الكبير الصغير فنرحم الصغير ونوقر الكبير لقول رسولنا «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا».

لفت انتباهي مراعاته صلي الله عليه وسلم لمشاعر الآخرين في قصة «سبقك بها عكاشة» عندما تحدث النبي عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة من غير حساب وذكر وصفهم، فقال عكاشة أمنهم أنا يا رسول الله ؟ فقال له نعم، فقام آخر وقال أمنهم أنا؟ فقال رسول الله: «سبقك بها عكاشة»، فلم يحرجه فيقول له أنت لست منهم وحتى لا يفتح الباب لكل سائل فرد عليه رسول الله بطريقة جميلة وفيها احترام وتقدير من غير جرح للمشاعر.

لفت نظري كيف راعي النبي صلى الله عليه مشاعر الرجل سيئ الخلق الذي استأذن على رسول الله وعنده عائشة رضي الله عنها فقال رسول الله «بئس أخو العشير وبئس ابن العشير» فلما جلس تعامل معه النبي باحترام وانبسط له، فتعجبت السيدة عائشة من تصرفه فقال لها: «متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره».

لفت نظري مراعاة النبي صلى الله عليه لمشاعر الآخرين في الصلاة.

 فقد اشتكي رجل معاذا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يطيل في الصلاة ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا وقال له «أفتان أنت»، ثم أمر من يؤم المصلين أن يخفف لأن فيهم الكبير والمريض والضعيف وذا الحاجة.

بعد كل هذه المواقف والقصص فإني أسأل سؤالا تربويا وهو: هل نحن نربي أبناءنا على هذا الهدي النبوي بمراعاة شعور الآخرين، واحترامهم وتقديرهم وعدم جرح مشاعرهم؟ وهل هذا الخلق موجود في بيوتنا بين الزوجين أو بين الإخوان والأقارب؟ فالاحترام وجبر الخواطر وتقدير المشاعر خلق انساني راق ونبيل ولهذا أمرت الشريعة الإسلامية في حال الطلاق بين الزوجين أن تعطى المطلقة نفقة المتعة جبرا لخاطرها على ما حصل وفي ذلك مراعاة لمشاعرها كما قال تعالى «وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين»، فمراعاة المشاعر من الذكاء العاطفي الذي نحتاجه هذه الأيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى