حكمة الجوار  Wisdom at Neighborhood

د. ماهر خضر| رئيس منظمة أمم الحكمة  www.wisdomnations.org

 

لا شك أن الحكمة هي أم الفضائل، تجمع بين الذكاء والفطنة، والشجاعة والاقدام، والروية والإتزان، والمعرفة والخبرة، والفهم والتحليل، لتنتج في النهاية قرارات وتصرفات وسلوكيات وأقوال توصف بالحكمة، لأنها وبالنظر إلى مقياس العقل والميزان الإجتماعي هي أفضل ما يمكن أن يهتدي إليه الإنسان.

كما يمكن تقسيم الحكمة لحكمة كبرى (متعلقة بالقضايا الفكرية والعلمية المتعلقة بالبشر ككل) وحكمة صغرى (متعلقة بتفاصيل حياتنا اليومية). فالحكمة الإستراتيجية تهتم بالتوجهات وتأمين مصير البشرية وارتدادات وانعكاسات كل ما نقوم به في الحاضر على المستقبل. وهذه هي حكمة المآلات والمصير. في المقابل تهتم حكمة الجوار بالتفاصيل اليومية، وتعمل على رفع منسوب الوعي والإنضباط والإلتزام بسلوك يومي يحقق الخير والعدل والحق في كل تفاصيل حياتنا اليومية.

هكذا يُمكن أن نرتقي من خلال السلوكيات الحكيمة إلى مُقتضيات ”قُدُسِيّة الجوار “، هذه القُدُسِيّة التي وردت في الحضارة العربية الإسلامية وكل الحضارات الأخرى، حتى خِلْنا أن الجار سَيُوَرَّث.

وإذا كان الجار الحَسَن رِزْق، فإن الجار الحكيم نِعْمَة. وبالتالي فإن “”حكمة الجوار “ هي ذلك العقد الإجتماعي غير المكتوب، والذي يُؤسس لِعَيْشٍ رغيد ومدنية عالية كُنّا نُشاهدها في المُجتمعات الأسكندينافية وكأنها لوحة فَنّية لا يُمكن أن تُسْتَنْسَخَ أو أن تَتَكَرّر.

وإذا كان العِلْمُ بالتّعَلُّمِ، والحِلْم بالتَحَلُّمِ، فإنّ الحِكمة بالتَّحَكُّمِ. وفي هذا الإطار تُعَدّ البلديات والمجتمعات المحلية هي أفضل الأُطُر التي نتعلم ونطبق حكمة الجوار فيها. فما كان في حُكم النافلة في المجتمعات القديمة المُتباعِدَة، أصبح فرضا في المجتمعات الحديثة المُتقارِبَة. حيث أصبح الفضاء العام يغلب عليه ” الزحام “ والإحتكاك اليومي والتماس، وهو ما يُولد الصدام والصراع والخصام إذا غابت الحكمة.

وفي حالة إتكلنا على قوة القانون وحده سوف تتحول حياتنا المدنية إلى جحيم، ولن نستطيع بأي حال من الأحوال أن نوفر شرطي لكل موقف صدام أو صراع أو خصام. بل أن التعامل القانوني والرسمي مع بعض المواقف البسيطة قد يُؤَجِّجُ الصراع لِيَكْبُرَ مثل كرة الثلج. فلا أحد على وجه الأرض كان يتخيل أن 20 دولار مزورة يُمكن أن تتسبب في مقتل جورج فلويد وتُحدث ذلك الزلزال على مُستوى أمريكا والعالم بأسره.

إن المٌعالجة الحكيمة والتناول الرشيد لكل تفاصيل حياتنا اليومية هو ما يُحقق العيش الهنيئ الرغيد والسعادة المدنية Civic Happiness التي نتقاسمها مع كل المحيطين بنا. وهو ما يُحقق مفهوم المدن الحكيمة Wise Cities. فمهما كَدَّسنا من تقنيات حديثة ووسائل تواصل مُتَطورة في مُدُنِنا الذكية لن نستطيع تحقيق السعادة ما لم نُرسي قواعد حكمة الجوار Wisdom at Neighborhood.

لذلك تعتني منظمة أمم الحكمة Wisdom Nations بموضوع حكمة الجوار، وستقوم بتوجيه برامج تدريبية Online للبلديات والمجتمعات المحلية حول العالم. كما سيكون لها مؤتمر سنوي لحكمة الجوار يجمع المختصين من البلديات حول العالم وكل المتدخلين في صناعة المدن الذكية Smart Cities، حتى نرتقي من مفهوم المدن الذكية إلى المدن الحكيمة Wise Cities.

لكن في إنتظار تحقيق مفهوم المدن الحكيمة بكل أبعاده، أمامنا عمل شاق وطويل لتغيير العقلية والسلوك من أجل تكوين مُواطن فاعل ومسؤول، مُساهم ومُشارك، حكيم ورشيد في إدارة المُشترك وصيانة مكتسبات الفضاء العام والمُجتمع المحلي.

وللوصول إلى هذه الغاية المحمودة، سيكون سفراء الحكمة في المقدمة بالقيادة والوجيه والإرشاد، لذلك سنتحدث في المقالة القادمة عن الأدوار المتعددة لسفراء الحكمة: لماذا سفراء الحكمة.      

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى