من إشكاليات الترجمة الدينية.. بين البرزخ والأعراف (11)

أ.د. عنتر صلحي | أستاذ الترجمة واللغويات – جامعة جنوب الوادي – مصر

 

البرزخ والأعراف من الألفاظ الضاربة في الثقافة الدينية خصوصا الإسلامية. والبرزخ في الفكر الإسلامي هو المنطقة الفاصلة ، وفي القرآن “بينهما برزخ لا يبغيان” أي حد فاصل. لكن إذا أطلقت الكلمة فهي تشير إلى الفترة الزمنية – إن كان ثم زمن- التي تفصل ما بين الدنيا والآخرة، وأول منازلها هو القبر.

في المقابل “الأعراف” هي المنطقة الفاصلة بين الجنة والنار، وهناك سورة قرآنية كاملة باسمها. وهي في التصور الإسلامي جبال فاصلة بين الجنة والنار، يقف عليها من تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم عليها يرون أهل الجنة يتنعمون وأهل الجحيم يعذبون. وتشملهم بإذن الله رحمة الله فيدخلهم الجنة: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) ۞ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49)} إذن (البرزخ) يشير إلى فاصل زمني، أما (الأعراف) فيشير إلى فاصل مكاني.

نأتي الآن للترجمة، هناك عدة ألفاظ في اللغة الإنجليزية تشير لمكان ما بين الجنة والنار، وهو منزل التطهير لمن اقترفوا من الخطايا، وهو عند دانتي في الكوميديا الإلهية يسمى (المطهر Purgatory) ما بين الجنة Paradiso والجحيم inferno، وليس هناك دلالة على أنه يتكون من جبال أو مرتفعات تحجب الجانبين. ويميل مترجمو القرآن إلى تجنب لفظة “المُطَّهر Purgatory الغربية للصور الذهنية المرتبطة بها في التصور المسيحي. ويستخدمون بدلا منها صفات الجبال heights أو لفظة Al Aaraf كما لو كانت علما للمكان.

أما البرزخ فيبدو أنه مصطلح إسلامي صرف، لأني لم أجد له مقابل في التصور الغربي يعبر عن الحياة البينية بعد الموت وقبل النشور. غير أن هناك لفظة Limbo ، وهي متغيرة الدلالة في الفكر الغربي المسيحي، فبعض الكتابات تصفه بأنه مكان للخطاة يتم تطهيرهم فيه، فهو بذلك يشبه ال Purgatory، وأحيانا يوصف بأنه حافة الجحيم، وأحيانا يوصف بأنه منبع النسيان الكبير و مكان تحرر الروح، وقد اعتبره مخرج فيلم inception المستوى الرابع من الأحلام داخل الأحلام، وهو مستوى اللاوعي الخالص، في حالة تشبه الموت لكن مع بقاء المشاعر.

ويبدو أن هناك عدة استراتيجيات للتعامل مع اللفظتين، منها استخدام مقابل واحد لكل منها من limbo، purgatory والنص على ذلك في بداية الاستخدام في هامش الترجمة، ومنها استخدام النقحرةtransliteration وهي النقل الحرفي للكلمة باعتبارها مصطلحاً إسلامياً لا مقابل له فتكتب Barzakh، Aaraf ، ومنها استخدام الوصف المبين؛ فللأعراف يستخدم partitioning heights وللبرزخ يستخدم temporal after death barrier أو شيئا من هذا القبيل.

والله أعلى وأعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى