كيف تقرأ عملا فنيا وبصريا؟

 

د. أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم | مصر

أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج

(1)
إن النظر هو أكثر من مجرد تجربة بصرية، والإدراك الحسي ليس وظيفة تتعلق بحاسة واحدة فقط، فالإدراك البصري يعني أكثر من مجرد النظر بالعينين… نحن نبصر الشيء نفسه؛ لكننا ندرك أشياء مختلفة في مجال الرؤية ذاته.

 

(2)
إن الرسم هو نتاج خيال جرى إسقاطه على سطح فراغي، وهو نوع من التكثيف لمجموعة من الصور البصرية بطريقة فريدة تعكس رؤية الفنان الخاصة.

 

(3)
في الأعمال الفنية لا يجب أن يكون الرمز مشابها للشيء الذي يعبر عنه؛ بل يمكن أن يكون أي شيء .. على سبيل المثال، قد يعبر الفنان بالدائرة عن حركة المشي، وذلك لأن الدائرة ستدور، ومن ثم فهي تعبر عن الحركة.. لذا، فإن الرمز من الناحية المرئية لا حاجة به لأن يكون وصفا للحقيقة.

 

(4)
في الغالب يبدأ الفنان عمله دون أن يدرك ماهيته، فهو يتبع إحساسه ومشاعره، لكن لا يكون لديه إدراك واضح لماهية الموضوع.. وغالبا ما تنبعث الأفكار عفويا بتأثير من اللاوعي، فهو يبدأ بمزيج من الألوان والخطوط.. ومن ثم يقوده إحساسه إلى إنتاج لم يكن يدرك كنهه.

 

(5)
إن الفنان في عمله لا يعكس الواقع بل يسعى وراء الحقيقة العارية. ولكل رسام تعريفه الخاص للجمال، وهو أمر يخصُّه وحده؛ فالفنان حينما يتحدث عن الجمال لا يجب بالضرورة أن يكون هذا الجمال شيئا لطيفا أو جذابا، فالجمال الذي يسعى إليه الفنان ربما لا يقتضى الانسجام؛ بل في الغالب يرمي إلى التجريد والإثارة والمبالغة بكل أنواعها. والفنان الأصيل لا يسعى لإرضاء أحد، بل يسعى للتعبير بصدق عن النسق الجوهري للحياة… قد يكون هذا جميلا بالمعنى التقليدي لدى المتلقي وقد لا يكون، لكن هذا في حد ذاته لا يهم الفنان الحقيقي!!

 

(6)
إذا حاولت أن تفهم العمل الفني بعقلك فسوف تفشل. تخلق اللوحات الفنية الجيدة سلسلة من المشاعر والانطباعات الذهنية، وهي شكل من أشكال التواصل الذي لا يماثل الأسلوب المنطقي الذي يستخدمه علماء الرياضيات والطبيعة.

 

(7)

العمل الفني الرائع هو العمل القادر على إثارة وتحريك أحاسيسنا ومشاعرنا وعقولنا. وهناك مستويات عدة لتلقي العمل الفني وليس من المفروض ولا من المتوقع أن نفهم جميعا العمل بطريقة واحدة… فقط دعْ إحساسك بالعمل يقودك إلى معناه.

 

(8)
سألني صديق كيف يتأتي لشخص ما أن يعلم أنه يمتلك إمكانية أن يصبح فنانا أصيلا يوما ما؟ فأجبت: فقط أخبرني كم عدد الساعات التي تستطيع أن تبقى فيها وحيدا في اليوم، في الأسبوع، في الشهر، في السنة، طوال فترة حياتك؟ … إذا كنت تستطيع البقاء وحيدا طوال الوقت تقريبا فإن بمقدورك أن تصبح رساما أصيلا يوما ما… هذا ما تخبرنا به السير الذاتية للرسامين العظماء.

 

(9)
أخيرا أختتم هذه الومضات بقول لبيكاسو “نحن نعلم جميعا أن الفن لا يُماثل الحقيقة؛ الفن أكذوبة تجعلنا نتعرف على الحقيقة، أو على الأقل، نقترب من تلك الحقيقة التي قُدمت لنا كي نفهمها؛ وعلى الفنان أن يعرف كيف يُقنع الآخرين بصدق أكاذيبه”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى