مقال

الجسد: حقيقتنا المهملة

خلدون عماد رحمة| شاعر وناثر – ألمانيا

     لا ريب أن الجسد البشري هويةٌ وكيان، وهو مرآتنا الوجوديّة، وعلامتنا الفارقة عن بقية الكائنات، وهو لغةٌ عميقةٌ، وتشكيلٌ بديعٌ، وبوصلةٌ وطريق، يحضر الجسد في الكثير من جوانب ثقافتنا العربية مُهاناً ومشوّهاً ومداناً ومبريَّاً وآيلاً للانسحاق. كما أننا في الحقل المعرفيِّ نفتقر إلى إنتاج فكر وفلسفة تناولت موضوعة الجسد مثلما تناولها بعض فلاسفة ومفكري الغرب أمثال سارتر وجاك دريدا وميشيل فوكو.
       من الضروريِّ أن يتخلّص الجسد من طاغوت الأيديولوجية السياسية والدينية والاقتصادية وأن يكون مفتتحاً لحوار عميق يتجاوز التشهير والاتهامات السهلة وأخلاقيات رجال الدين مثل فتاوى إرضاع الكبير على سبيل المثال!، كما يجب أن يتحرر الجسد من التجويع والتعطيش الممنهج ومن سلطة الإرهاق المهيمن والمُهين كاستغلال أجساد العمال والخدم والتعامل معهم بصفتهم عبيداً، والأبرز من كل هذا الحديث عن المذابح التي تُرتكب في حق الجسد من قبل الطغاة والمحتلين الذين يرتكبون أبشع المجازر لا بحق الجسد وحده ولكن بحق الروح الإنسانية وبحق الذاكرة والحلمْ. هذا إذا ما أردنا التعريج أيضاً على تاريخ التعذيب في المعتقلات وأروقة التحقيق وما يتعرض له الجسد الإنساني من ألم وأوجاع وأمراض وذل .
         لا أدري لماذا إلى هذا الحدِّ يستسيغ البعض رؤية الجسد معذباً ووعاءاً للآلام بدلاً من أن يكون الجسد وعاءاً للحب والرغبة والملذات التي هي من طبيعته ومن دوافعه الرئيسية.
    من الجدير بنا أن نصرخ في وجه الذهنية الذكورية البذيئة وبالأخص تلك النظرة التي تستبدل المرأة من قيمة إنسانية عظيمة إلى جسد عاهر .
   أخيرا وليس آخراً أقول: إن الجسد الأسير لا يمكنه إنتاج لغةٍ حرةٍ وفكراً حراً وإذا كان يرقص أمامنا فإنه يرقص مكبلاً بالسلاسل .

(Khaldoun Rahmeh )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى