حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للتكنولوجيا

د. صلاح حزام | خبير اقتصادي عراقي

فيسبيسيان الامبراطور الروماني الذي بدأ بتشييد ملعب الكولوسيوم الشهير في روما، رفض تطبيق اختراع قدمه له أحد المهنددسين وهو عبارة عن رافعة جديدة يمكن أن تسرّع بناء الملعب وغيره من الصروح الضخمة.
دفع مكافأة للمخترع لكنه أمر بحفظ الاختراع قائلاً: إن ذلك سوف يلغي وظائف الكثير من العمال الفقراء.
السلطان العثماني بيازيد منع استخدام الطابعة لأنه كان هنالك أكثر من ثمانين ألف شخص في اسطنبول يعيشون من نسخ الكتب، وأن استخدام الطابعة سوف يقطع سبيل الرزق عليهم لأنه يلغي الحاجة لوظائفهم.
لقد انحاز الاثنان إلى مصلحة العمال ووقفوا ضد التكنولوجيا تجنباً للاضطرابات الاجتماعية إضافة إلى الاعتبارات الإنسانية ، ربما.
بريطانيا كانت الأولى التي وقفت إلى جانب التقدم الصناعي حتى لو أدى إلى فقدان الوظائف ولذلك قامت الثورة الصناعية أساساً في بريطانيا. وعندما اندلعت احتجاجات عمال صناعة النسيج ضد استخدام آلات جديدة تعوض عن العمل البشري،
تم قمع احتجاجات العمال بشدة باستخدام الجيش.
عام ١٩٠٥ تم اختراع حاصدة القطن الأوتوماتيكية في أمريكا، أدى ذلك إلى فقدان وظائف خمسة ملايين عامل كانوا يعملون في مزارع القطن في الجنوب وعملهم هو قطف القطن وكان جميع هؤلاء تقريباً من الزنوج، واضطروا للهجرة إلى ديترويت للعمل في مصانع السيارات.
معظمهم غير مؤهلين ولايستطيعون العمل في هذه الصناعة وعملوا في وظائف هامشية أو واجهوا البطالة؛ لذلك عاشوا في مساكن عشوائية في الضواحي وانتشرت الجرائم في أوساطهم وانتشرت المخدرات.

لقد تضررت ديترويت من تلك الهجرة، وتغيرت هويتها السياسية وولاء سكانها السياسي للأحزاب في الانتخابات.
التكنولوجيا تلغي وظائف وتخلق وظائف أخرى جديدة تحتاج إلى مهارات مختلفة، وهنالك من يتوقع اختفاء ملايين الوظائف ولكن التكنولوجيا تخلق وظائف جديدة تحتاج إلى مهارات جديدة.
التكنولوجيا خفضت تكاليف الإنتاج وبالتالي خفضت أسعار السلع وارتفع مستوى معيشة الناس واستطاعت أعداد أكبر من الناس أن تتمتع بالمنتجات التكنولوجية الجديدة.
كما إن زيادة الإنتاجية أدت إلى زيادة اجور العمال وانخفضت ساعات العمل وتحسنت ظروف وبيئة العمل..
وتشير الدراسات المتعلقة بأسواق العمل والوظائف إلى أن الوظائف الوسطى هي الأكثر تضرراً من انتشار التكنولوجيا في الأعمال.
الوظائف الدنيا لاتستحق تطوير واستخدام تكنولوجيا مكلفة لإحلال العمالة البشرية وذلك يعني انكماش الطبقة الوسطى وهي الطبقة الأساسية في البناء الاجتماعي التي تربط الطبقات العليا بالدنيا.
وذلك يؤثر في التركيبة السياسية وطبيعة النشاط والاستقطاب السياسي في البلد ، حيث إن الطبقة الوسطى هي الأنشط سياسياً والأكثر اهتماماً بالشأن العام ..حيث كانت تشمل أغلبية المصوتين في الانتخابات إضافة إلى الكتّاب والمدرسين والصحفيين. كما إن معظم التوجهات الاجتماعية في الولايات المتحدة (مثلاً) تتولد في داخل الطبقة الوسطى.
ونظراً لأهمية الطبقة الوسطى، كلف الرئيس الأمريكي باراك أوباما نائبه بايدن ليترأس فريقاً لإعداد تقرير عن أوضاع الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة.
حصلتُ على نسخة من التقرير وراجعته، وكان واضحاً أن الغرض منه كان الوقوف على تطور أوضاع هذه الطبقة من كافة الزوايا .
وفي الأخير نؤكد أنه لايمكن وقف التقدم التكنولوجي بدافع الحفاظ على الوظائف بل ينبغي تطوير نُظم التعليم والتدريب لتأهيل الناس لمواكبة حاجة التكنولوجيا للمهارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى