حيلةٌ ماكرة!!

صبري الموجي – صحفي بالأهرام المصرية ورئيس التحرير التنفيذي لـ(جريدة عالم الثقافة)

 هي فتاةٌ في العقد الثالث من العمر، أقربُ للطول منها إلى القصر، كانت ترتدي عباءة سوداء تُجسد تضاريس جسمها، اتخذت من هذا الزي(اللافت) طُعما لصيد فرائسها، وسرقة ما بجيوبهم، اندست في عربة المترو وسط الرجال، تاركة عربة السيدات تكاد تكون فارغة، وبدلا من أن تتخذ لنفسها مكانا قصيا، يحميها من الاحتكاك بمن يدخل ويخرج من العربة، وقفت أمام الباب تعوقُ حركة الركاب صعودا وهبوطا، التطم بها- عن غير قصد -أحدُ الشباب أثناء اندفاعه لدخول القطار قبل غلق الباب، فانهالت عليه شتما وسبابا، واتهمته بتعمد الاحتكاك بها، اعتذر لها الشاب، مؤكدا أن احتكاكه بها لم يكن أمرا مقصودا، فرفضت اعتذاره، وتمادت في (وصلة) الردح والسباب، متهمة ركاب العربة بالسلبية؛ لأنه لم يهم أحدٌ لنجدتها رغم تعرضها – بزعمها – لتصرف خادش للحياء، أثارت كلماتُها حمية أحد الركاب، فانبرى لتهدئة الموقف، ونزع فتيل الشجار، فلانت الفتاة بعد جهد، وسكن صفيرُ التراشق، وبعد نزول الفتاة في أول محطة وقف بها القطار، فوجئ من تطوع بفض الاشتباك بأن حافظة نقوده قد سُرقت، وأنه كان ضحية لنشالة مُحترفة !

 تكشف هذه الصورة، التي كثيرا ما شاهدناها في أفلام السينما، والتي رأيتها رأي العين، بإحدي عربات المترو، الآثار السلبية لشدة الزحام بوسائل المواصلات العامة، وخاصة بقطارات السكة الحديد ومترو الأنفاق، ذلك الزحام الذي يكون بيئة مناسبة لمشاكل عدة مثل التحرشات، والسرقات، والشجار بين الركاب، وتأخير رحلات القطارات عن المواعيد المحددة، وتكون نتيجة ذلك كله أن يصل الراكب إلي عمله أو مصلحته مهدودا مكدودا لا يقوي علي العمل ولا يستطيع العطاء.  

 وكخطوة من خطوات حل مشكلة الزحام، ومنع التحرش لابد من زيادة العربات المخصصة للسيدات، وعدم الاكتفاء بوجود عربتين لهن فقط  بكل قطار؛ مراعاة لزيادة عددهن حاليا، مقارنة بعددهن في الوقت الذي صدر فيه قرار التخصيص السالف،  إضافة إلى ضرورة تكثيف الوجود الشرطي داخل المحطات لسرعة اللجوء لأفراد الأمن عند حدوث مشكلة، أو وقوع شجار؛ وذلك لاحتواء الأزمة قبل تفاقمها، أما سياسة التحرك بعد – خراب مالطا – فهي سياسةٌ فاشلة وتأصيلٌ لدولة الفوضى التي تقف مصر علي قدم وساق لاجتثاث شأفتها، واقتلاعها من جذورها.

 فضلا عن ذلك فلابد أن يري المخطئ والمُقصرُ (العين الحمرا) ويُضرب علي يده بعصا من حديد، حتي يرتدع، ويكونَ عبرة لغيره ممن يفكرون في خرق القانون، وذلك بتغليظ العقوبة، وفورية تحصيل الغرامة، مع شطب سياسة (الطبطبة والاستجداء) من صفحة حياتنا اليومية، لأنها سياسة معوقة، ترسخ للفوضي، وتزيد من حالة الاستهتار، فمعلوم أنه إذا انعدمت العقوبة أسيئ الأدب، وحسنا فعلت الهيئة القومية لإدارة وتشغيل المترو بأن غلظت غرامة تأخير القطارات لتكون بواقع ٣٠٠ جنيه للأفراد عن كل دقيقة تأخير، و ٤٠٠ جنيه للشركات.

إضافة إلي كل ما سبق فلابد من تنمية روح المواطنة والانتماء، والتي بها يعلم المواطنون أن عليهم واجبات تجاه هذا البلد، كما أن لهم حقوقا يطالبون بها، أما أن يأخذ طرف كل حقوقه ويتهرب من أداء ما عليه، فإنها تكون قسمة ضيزي .

وأخيراً دعونا نتفق علي أن مصر دولة ذات تاريخ وحضارة، وتمتلك كثيرا من الثروات الطبيعية والموارد البشرية التي تضمن لها استعادة مجدها، شريطة أن تتضافر الإدارة السياسية مع الإرادة الشعبية لتحقيق ذلك الهدف الأسمي، وحتي تتحقق تلك الرغبة المنشودة سنظل نعاني وجود هذه الحيل الماكرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى