من أبواب الإعجاز العلمي.. الفاكهة فى القرآن الكريم

 

أ.د. جمال الدين عبد الحى حامد | إختصاصى إنتاج وفسيولوجيا محاصيل فاكهة

الفواكه من الطيبات التى أوجدها الخالق للتنعم بأكلها والاستفادة مما أودع الله فيها من خصائص غذائية وعلاجية لا تحصى، وقد حث المولى جل وعلا على تناولها فى آيات كثيرة من القرآن الكريم، فهي طعام أهل الجنة وغذاء وشفاء لأهل الأرض.

والفواكه من أكثر الأطعمة النباتية التى ورد ذكرها فى آيات كثيرة من سور القرآن الكريم . وذلك منذ بداية خلق سيدنا آدم وأمنا حواء . قال تعالى فى سورة البقرة(آية35): {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِن الْظّالِمِينَ} ولم يرد فى القرآن ولا فى الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل يعين هذه الشجرة لذلك اختلف العلماء فى تعيينها.

قال ابن عباس إنها الكرمة وقيل هى الحنطة وقيل هى التفاح، وقيل هى النخلة وقيل هى التين، وقيل غير ذلك.

وقد تكون واحدة من هذه وقد لا تكون وعليه فالصواب في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به . ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين؛ لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا في السنة الصحيحة.

ويقال أن أول فاكهة أكل منها سيدنا آدم بعد نزوله للأرض هى السدر, والله أعلم.

ورد ذكر الفواكه فى القرآن إما بلفظ “فاكهة” أو بلفظ “فواكه” – وهما لفظين يشملان كل أنواع الفاكهة دون تخصيص نوع معين- أو بتعيين صنفها كالرمان والتين والزيتون وغيرها.

وبالتأمل فى كتاب الله نجد أن لفظ “فاكهة” وهو مفرد يأتى فى سور القرآن التى جاء إسمها بصيغة الإفراد تطابقاً مع اسم السورة حيث تكرر ذلك فى إحدى عشر موضعاً فى ثمانية سور جميع أسمائها مفردة وهى يس، ص، الزخرف، الدخان، الطور، الرحمن في (ثلاثة مواضع) وفي الواقعة (موضعين)، وعبس. وهى كما يلى:

– لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (يس57).

– مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (ص51) .

– لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (الزخرف73).

– يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (الدخان55) .

– وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (الطور22).

– فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (الرحمن11) .

– فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (الرحمن 52) .

– فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (الرحمن 68) .

– وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (الواقعة 20) .

– وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ , لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (الواقعة 32- 33) .

– وَحَدَائِقَ غُلْبًا, وَفاكِهَةً وَأَبًّا (عبس 30-31) .

وعلى صعيد آخر نجد أن كلمة “فواكه” أتت فى ثلاث مواضع وقعت فى ثلاث سور أسمائها بصيغة الجمع هى المؤمنون والصافات والمرسلات تطابقاً مع اسم السورة وجاء ذلك كما يلى:-

{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ{ (18). فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (ا19) المؤمنون.

{وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) سورة الصافات .}إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) سورة المرسلات.

والفواكه أو محاصيل الفاكهة التى ذكرت فى القرآن- فى معرض تعداد أنعم الله سبحانه وتعالى على عباده سواء فى هذه الدار أو فى الجنة التى وعد بها المتقون من عباده – تشمل النخيل, العنب , التين , الرمان , السدر , الزيتون والطلح وهو الموز, وذلك لتفضيلها على سائر أنواع الفواكه الأخرى لكثرة نفعها وفوائدها الغذائية والصحية، وقد أثبت العلم الحديث ذلك بعد أن سبقه القرآن بألآف السنين، مما يستوجب التدبر في آيات القرآن الكريم والتفكر فيما ورد فيها من عظات وعبر ونصائح وفوائد للبشرية .

والنخيل والأعناب هى أكثر النباتات ذكراً فى كتاب الله الكريم وقد ورد ذكرهما فى كثير من الآيات مقرونان مع بعضهما البعض فقد ورد ذكر النخيل أو ثمارها بصيغ مختلفة عشرون مرة فى ثماني عشر سورة بينما جاء ذكر العنب في عشر من سور القرآن الكريم فى إحدى عشر موضعاً، وقد يكون السبب فى ذلك أنهما كانا من أكثر أنواع الفواكه المعروفة لدى العرب أو لكثرة منافعهما فإنهما يقومان مقام الطعام ومقام الإدام ومقام الفاكهة رطباً ويابساً

ولقدإستحقت النخلة أن تكون الأكثر ذكراً فى كتاب الله الكريم لأنها شجرة مباركة عظيمة النفع، فثمارها عبارة عن منظومة غذائية كاملة , كما أن كل أجزائها الأخرى تدخل فى بعض الاستخدامات, ويقال أنها أول شجرة استقرت على وجه الأرض.

وبالإضافة الى ذلك فقد ورد ذكر النخلة في كثير من الأحاديث النبوية وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (بيت لا تمر فيه جياع أهله) وقوله (ص): (إن التمر يذهب الداء ولا داء فيه), وقوله (ص): (أطعموا نساءكم فى نفاسهن التمر فإن من كانت طعامها فى نفاسها التمر خرج وليدها حليماً فإنه كان طعام مريم حين ولدت ولو أراد الله طعاماً خيراً منه لأطعمها).

كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من تصبح بسبع ثمرات عجوة لا يصيبه في هذا اليوم سم ولا سحر).

و قال صلى الله عليه وسلم أيضاً : “العجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم”. رواه الترمذي وأحمد, وجاء فى بعض المراجع أن المقصود هنا عجوة المدينة وفى حديث آخر: “وإن العجوة من فاكهة الجنة”.رواه أحمد وقال أهل العلم إسناده حسن. وعن أبى سعيد وجابر رضي الله عنهما قالا, قال رسول الله (ص):” …العجوة من الجنة وهى شفاء للجنة…” ومعنى الجنة هنا : الجنون ومعناها الجن. (رواه إبن ماجه وأحمد).

كما خص صلى الله عليه وسلم فى حديث نوع من أنواع التمر يسمى :البرنى”حيث ذكر بأنه علاج يذهب بالأمراض أى يعالجها ولا داء فيه, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خير تمراتكم البرنى يذهب الداء ولا داء فيه” (أخرجه الرويانى فى مسنده وحسنه الألباني فى الصحيحة). كما جاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله علي وسلم “اكرموا عماتكم النخل” وقد سميت عمتنا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم عليه السلام, ولأنها تشبه الإنسان من حيث استقامة قدها وطولها ومنها الذكر والأنثى وامتياز ذكرها بين الإناث ولا تثمر إلا إذا لقحت, ورائحة طلعها كرائحة المني, ولطلعها غلاف كالمشيمة التى يكون فيها الجنين, واذا قطع رأسها ماتت, ولو أصاب جمارها (قلبها) آفة أو صدمة قوية هلكت وإذا قطع سعفها لا تستطيع تعويضه من محله كما لا يستطيع الإنسان تعويض مفاصله.

والنخلة مغشاة الليف الشبيه بشعر الجسم فى الإنسان. ومن الجدير بالذكر أن دراسة علمية قام بها فريق من الباحثين من كلية طب وايل كورنيل (Weill Cornell Medicine) فى دولة قطر وتم نشرها فى الدورية العالمية (Nature Biotechnology) الصادرة بتاريخ 29 مايو 2011م أشارت الى أن نخيل التمر تعتمد نظام XY في وراثة الجنس بما يماثل النظام البشرى (سبحان الله) .

وهكذا فإن الفاكهة هى طعام أهل الجنة ولا شك أن أهل الجنة يأكلون من أفضل الطعام كما أنها غذاء ودواء وجمال لأهل الأرض, ولذلك نصح الشرع الكريم وحث على تناولها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى