أخرجوا آل لوط من قريتكم (١)

رضا راشد | باحث في الأزهر الشريف

  إن من سنن الله الربانية في تدبير الأمر في الكون، سنةَ التدافع بين الحق والباطل، بأن يظل الصراع بينهما مستمرا، ولولا هذا التدافع لفسدت الأرض، ولهُّدِّمتْ صوامعُ وبيعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يذكر فيها اسم الله كثيرا،  كما قال ربنا في سورتي البقرة (آية٢٥١):《ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض》وفي سورةالحج (آية٤٠):《ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا》.

   وبهذا التدافع يبتلي الله الكافرين بالمؤمنين فيكونون شَجًا في حلوقهم، وعقبةً في طريق تغلب الباطل وسيطرته على الحياة ويبتلي الله المؤمنين بالكافرين، فيكون وجود أهل الباطل ومحاربتهم لأهل الحق مستحثا لهم حتى يتمسكوا بحقهم ويناصروه. وفي هذا حكمة إلهية؛:《ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض》أي: فلو شاء الله لأباد أهل الباطل بكلمة “كن” ولكن ليختبركم -معشرَ أهل الحق- بهم حتى تعضوا على حقكم بالنواجذ وتبذلوا الغالي والنفيس حماية له .

  ولكن الصراع بين الحق لا يسير دائما على وتيرة واحدة، بل قد ترجح كفة أهل الحق وقت التمكين، وقد ترجح كفة أهل الباطل وقت الاستضعاف. ولئن كانت نتيجة الصراع بين الحق والباطل في كل جولة من جولات هذا الصراع دائما محتمة؛ وهي التمكين للحق وأهله، فإنه ليسبق هذا التمكين أن يعلو الباطل وينتفش كأنه غالب، وينزوي الحق وينطوي كأنه مغلوب، وساعتها يتمادى بأهل الباطل غيهم، ويغلو بهم خيالهم،  وتتطاول بهم آمالهم وأمانيهم؛  فيسعون جاهدين، لا لمغالبة الحق وأهله، بل لاستئصال شأفة الحق واقتلاعه من جذوره؛ أملا في عالم لا وجود فيه إلا للباطل وأهله .وحينئذ يجمعون على قانون الاجتثاث أو قرار الاستئصال؛ وهو ما جاء على لسان سلفهم من قبل “قوم لوط”: أخرجوا آل لوط من قريتكم

حين يعم البلاء، ويطم الوباء، ويستطيل الشر، ويستطير الباطل، وتنقلب المعايير، وتنتكس الموازين، وتنعكس الأمور؛ فيمسي الرجل نساء (وهم الرجال المخنثون)، والنساء رجالا (وهن النساء المترجلات)، ويضحي الشر هو القاعدة،  والخير استثناء، ويمسي الكون ظلاما لا تتبين فيه إلا شعاعا من نور خافت ساعتئذ فقط يصدر القرار الشيطاني باستئصال شأفة أهل الحق؛ أملا في عالم يخلون فيه بمعاصيهم بعيدا عن تنغيص أهل الحق عليهم عيشهم، وقتها فقط يقولون على لسان رجل واحد :أخرجوا آل لوط من قريتكم

يتبع….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى