أحلام مبتورة.. (قصة)

نزهة الرملاوي | فلسطين

الصورة: للمصوّر Fadi A Thabet

… من فضلك لا تسحقي كلماتي.. وتحذفي رسالتي.. انتظري منّي رسائل أخرى.. ستدركين بعد ذلك مدى وجعها، لا تكترثي.. سأعتني بأسلوب طرحها لتربطي الأحداث وتعملي منها جدائل إلهام، فقد أحببت أسلوبك، وتعلّمت منك انتقاء الكلمات.. وإني لأشكر الله الذي وهب البشر هذه العقول المخترعة التي اخترعت قنوات التواصل هذه؛ لتجمعنا وتلملم شملنا، وتدخلنا إلى عالم الفكر والإبداع، تتركنا نسبح في فضاء واسع من التخيّل المبنيّ على الواقع.. عالم افتراضي وجد لنا شركاء يبحثون عنّا ونبحث عنهم في ركن الكلمات، نختارهم في الأزمات والمواقف.. ونجدهم في الصّور واسترجاع الذّكريات.. يأتون إلينا ونأتيهم بلا سفر وحقائب تبكي على محطّات الانتظار، نشاركهم آهات الحبّ والفرح، ودموع الحرب والنّزوح، وآلام والأسر وفقد الأحبة، وننام على أسرّة من المواجع، نتشارك الفنّ والفكر، والحزن والسّعادة، نفتح الصّفحات التي تروق لنا فتشعرنا بشيء من الثّقة ودفقات من الايمان.

أعترف أنّ صفحتك راقت لي.. فلا تصدّي حبّي وتقديري لك، إن شئت سمّه تطفلا بريئا، وأنّ اقتحامها والتّجوّل بين عناوينها وكلماتها ما هو إلا دليل على فكرك الناضج، وسردك الشّائق، وولوجه إلى صدورنا البيضاء، دليل حبّ لصفحتك المفتوحة لكلّ القارئين.

لم يكن لدي وقت للردّ على تلك الرّسالة الجميلة الغريبة، لكنّي أحسست أن قدر هذه السّيدة، جاء بها إليّ كي تنتهي قصّتها عند بابي، ستدخله بأمان وستجدني متنفّسها، نزهتها التي ستترك لها حريّة التعبير، فالمقهورون أكثر إحساسا بوجع الآخرين.. سأتركها تكتب قصتها وتسردها كما تشاء، لن أعبث بتفاصيلها ومكنوناتها، فلا شكّ أنّ قصتها ستكون مفتاح إلهام آخر ينتظرني بشوق مع أقداري الجميلة، أقدار تأتينا كغمامات فرح، تمطرنا حبّا وتنثر هداياها الرّائعة في أعماقنا؛ ليُزهر الأمل، ويُبدل العتم بأغنيات من نور.

صدحت أعماقي: الحمد لله.. بدأت ألملم شتاتي، وراح تفاؤلي يحجب إحساسا من قلق كان يراودني ويوتّرني في النّهار، اقنعت نفسي أنّ لا شيء يستحقّ أن أتجوّل في أعماقه، هربت من الواقع، تناسيت كلّ شيء من حولي، وراحت الكتابة تجتاحني، تنفّست عبقها، ووجدت نفسي بين سطورها عالقة، وأخذت الأحداث تعصرني وتكتبني، حتى أخرجتني من التأزّم على مهل، فشعرت بعدها بشيء من الرّاحة.. أحنّ إلى الكتابة كما تحنّ إليّ، وأحسّ بأنّي كلّما جئتها لأكتب نفسي، أعلق ما بين أفراحها المختبئة، وآلامها المنتشرة، بل حسبت انّ بؤسها، كبؤس الوطن يأمرني بأن أعرّيه وأكتب تفاصيل شقائه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى