أخرجوا آل لوط من قريتكم (٢)

رضا راشد | باحث بالأزهر الشريف

  هذا ما أجمع عليه (قوم لوط) عقابا ل(آل لوط) أن أنكروا عليهم جريمتهم التي سلكوا بها في ميدان المعصية طريقا لم يسلك من قبل وهو إتيان الذكران والتماس الشهوة في غير محلها ثم التبجح بذلك والمجاهرة به .

   أنكر (آل لوط) على (قوم لوط) جريمتهم بهذه الاستفهامات الإنكارية التوبيخية 《أتاتون الذكران من العالمين○ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون》[الشعراء:١٦٦،١٦٥]《أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون》[النمل: ٥٤]《أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين》 [الأعراف:٨٠]، فكان هذا الإنكار مستوجبا في نظرهم هذا القرار الغاشم:

   أخرجوا آل لوط من قريتكم

   بهذا الأمر الحاسم النافذ الذي لا يقبل المساومة ولا التفاوض ولا التأجيل (أخرجوا) كان الآمر فيه (قوم لوط)-كما قال ربنا:《فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم》-، مما يدل على أنهم أجمعوا أمرهم بلا مخالف لهم في أمرهم ..فمن يا ترى كان المأمور ؟

   إن تتبع سياق الآيات ليدل على أن الأمر صدر منهم لبعضهم، فهم الآمرون، وهم أيضا المأمورون.. فالأمر صدر منهم جميعا لهم جميعا؛ ائتمروا على القرار ثم ائتمروا أيضا على التنفيذ، وكأنهم بذلك إنما يتلمسون ما يستطيعون من وسائل الحض والتشجيع على تنفيذ القرار الغاشم بإخراج آل لوط، فلم يكن القرار من القرارات التى يكتفى فيها بكتابتها فقط .وتأمل قولهم:《من قريتكم》-بضمير المخاطب دون ضمير المتكلم “من قريتنا”- تدرك ما لجأوا إليه من وسائل الحض والتشجيع سبلا لتنفيذ قرارهم ، بجعلهم المختصين بالمنفعة والمضرة دون غيرهم، وكأنه لو كان قيل “من قريتنا ” لربما توهم المأمور أن جهده عائدة منفعته لغيره؛ فمن ثم جاء ضمير الخطاب تحفيزا للمأمور على امتثال الأمر بالنص على أن ثمرة إخراجهم آل لوط عائدة عليهم،  هذا وجه.

وآخر؛ وهو أن قولهم 《من قريتكم》 دون “من القرية” مثلا فيها بيان لامتلاكهم القرية دون آل لوط؛ فهي قريتكم أنتم وخاصتكم أنتم؛فمن حقكم إذن تهجير من ينغص عليكم أمر عيشكم فيها، كما تقول مثلا لأحد الناس: البيت بيتك؛ فمن ضايقك فيه فحقك أن تطرده منه. فالمخاطبون حينما يتصورون أن القرية قريتهم وأن هناك من ينغص عليهم تلذذهم بما يفعلون، بإنكاره عليهم؛ فإنهم ستثور حميتهم وتتسعر في جوفهم نار الغضب حتى يطردوه.

أخرجوا آل لوط من قريتكم 

  حكم نافذ بات لا مجال فيه للمراجعة ولا للاستئناف ولا للنقض أصدره قضاة (قوم لوط) -وكلهم قضاة- ثم سرعان ما تولى تنفيذه شرطة قوم لوط (وكلهم في هذا الأمر كانوا شرطة)  ،فكان الإجماع (حكما وتنفيذا) ، فلم نسمع عن أحد عارض الحكم او اعترض تنفيذه .

  إجماع من (قوم لوط) على طرد (آل لوط) من القرية كلها عقابا لهم على إنكارهم عليهم معصيتهم. عقوبة شديدة على فعل في الظاهر هين، وهو إنكار المعصية وتوبيخ مقترفها. وهذا يدل على هشاشة الباطل أمام قوة الحق بحيث ينهزم أمام أدنى تحرك من الحق،فمجرد إنكار المعصية أمر يستوجب الطرد! حتى يكونوا بمنجاة من توبيخهم.

فياليت شعري:

 لو علم أهل الحق مدى قوة كلمة الحق تخرج من أفواههم كيف تزلزل عروش أهل الباطل وتدك معاقلهم؟!  

 إن الباطل لا وجود له إذا جاء الحق، فمجرد حضوره يزهق الباطل《وقل جاء الحق وزهق الباطل》وكفى بذلك دليلا على قوة الحق وضعف الباطل!

  هذا ما أيقنه قوم لوط، فكان القرار الغاشم :

أخرجوا آل لوط من قريتكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى