عبده خال وعبد الرزاق الربيعي و وسام العاني (وجهًا لوجه) (2)

أكّد الكاتب الكبير عبده خال أنه كتب ذاته من خلال الالتصاق بذاته، “والحياة ضياع، وقد لجأت للكتابة للخروج من هذا الضياع، ولا أدعي أنني خرجت، بل خرجت من ضياع عام إلى ضياع داخل السرد الروائي.

ربما لتصل إلى إيمانك يجب عليك أن تكون ضائعاً طوال الوقت، ورسالتك الحقيقية هو إيمانك الداخلي وليس إيمان الآخر”وأنه ينتمي إلى الإنسان في أي مكان من العالم، لذا يرفض أن يقال عنه (الكاتب السعودي)، جاء ذلك في الجزء الثاني من استضافته ببرنامج (كتاب مفتوح) الذي يعدّه ويقدّمه الشاعران عبد الرزاق الربيعي ووسام العاني برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات.
وبخصوص ردود الأفعال التي أثارتها آراء الكاتب في الجزء الأول من البرنامج بمواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا قوله أن “الحكاية أنثى”، علّق عبده خال: “أسندت كلامي إلى تقسيم تاريخي، إذ كان هناك زمن أنثوي كانت فيه الأنثى هي المنتجة إبداعياً، وهي التي تصنع كل شيء من إنتاج وخيال وحكايات.ثم جاء زمن ذكوري أخذ من الزمن الأنثوي كل مكتسباته الماضية ومن ضمنها الحكايا.

رواية الرجل للحكاية هو نوع من الاستلاب للدور الذي كانت تقوم به الأنثى بالأصل والكاتب الروائي الجيد هو ابن أنثى جيد. أما كتابتي باسم أنثوي (نيفين) في بدايتي كان للهرب من سخرية أقراني في الحي آنذاك، حيث كانت القراءة نفسها تثير سخريتهم فما بالك بالكتابة”.

وفي نقطة مراجعة الموروث، أضاف عبده خال: جاء القرآن الكريم لتأكيد القراءة وليس لتأكيد المحفوظ. فقد عشنا زمن المحفوظ وليس المكتوب، والقياس كواحد من مصادر التشريع، جعل الأمة تعيش في الماضي وهذا جمّد الفكر الإسلامي، وعندما أدعو لتنقية الموروث فذلك لأننا حملنا كماً مهولاً من النظام الفقهي الذي عرقل الفكر الإسلامي والعربي تحديداً”.
وحول بيئة الكتابة، قال: “ليس هناك مكان لا يصلح للكتابة، فالسرد له منافذه الخاصة لتقديم العمل الفني، وثراء الخليج لا يعني أن الساكنين فيه كلهم أثرياء، كما أن الأغنياء لهم مآسيهم وأنفسهم المعذبة، والكاتب المتمكن بإمكانه تحويل حتى الصمت إلى رواية، لذا أنا ضد مقولة أن المكان الخالي من الأحداث لا يصلح لكتابة رواية، فالإنسان هو الانسان، والدمعة في جازان هي نفسها في البرازيل”
وعن السوداوية في رواياته، قال: “الليل هو الأصل، وكل ظلام يحمل أسرار الكون كله، وليس صحيحاً ما هو سائد بأن النهار يمثل الوضوح”.
وعن الكتابة في المواضيع الجدلية، قال: “أنا خلقت لإثارة الأسئلة ونبش الأحزان المتراكمة، وليس لمواجهة المجتمع عبر التحرش بالمسلمات والمفاهيم. ولكني أحب التحاور مع المختلف للوصول إلى الصواب، فحصولي على جزء من المعرفة لا يعني أنني عارف”.
وحول رواية (الصهريج) وتناولها لقضية العبودية والعنصرية، أجاب عبده خال: “العبودية ما زالت موجودة لكن بأشكال أخرى جديدة، ربما تحولنا من عبودية الإقطاع إلى عبودية المؤسسات، بل إلى عبودية دولة بكاملها بحكامها وشعبها إلى دول عظمى. وليس صحيحاً أن الإسلام قضى على العبودية، بل سهل الوصول للحل بجعله أمراً تعبدياً. والروائيون السعوديون لم يتناولوا الأقليات في السعودية لحد الآن في كتاباتهم”.
وأضاف: “في الصهريج البطولة للمكان وليس للشخصيات ومن يسكن حارة الهنداوية يدرك ذلك، وكلما زاد حبك للمسألة السردية كلما ارتددت إلى واقعك ومكانك وطفولتك لتخلق منها إبداعك الخاص. “
أما عن استقلالية الكاتب، قال: “لن يمتلك الكاتب الحرية إلا عندما يقرر عدم طلب شيء من أحد، وعدم الاحتياج إلى أحد هو أن تكون (آبقاً) بالمفهوم الاجتماعي، لأنك خرجت من القطيع. أن تكون مخطئاً خيراً من أن تكون صائباً برأي الغير”
وكان البرنامج قد استضاف الكاتب الفائز بجائزة بوكر العربية ٢٠١٠ عن روايته” ترمي بشرر” ليقدم طروحاته وأفكاره في كثير من القضايا الفكرية المعاصرة والتحديات التي تواجه إنسان هذا العصر وجودياً وثقافياً، وفي تعليقه على خبر فوز الشاعرة لويز كلوك بجائزة نوبل للآداب لعام 2020، قال” إن الشعر حضر هذا العام لأنه يتلاءم مع الجنون الذي يسيطر على أحداث عام 2020، رغم أنه يرى أن العالم بحاجة إلى السرد وليس الشعر، ولو لم يكن السرد هو المعجزة لما جاء القرآن سرداً وليس شعراً، وأن الكلمة لوحدها حكاية تحمل في طياتها سرداً تُملأ فراغاته من خلال مخيلة المتلقي لهذه الكلمة”
وأضاف” إننا منذ زمن نشعر أن هذا العصر هو عصر الرواية، ولكن الزمن القادم سيكون زمن السينما، والعمود الفقري لهذا الفن هو الرواية لذا سنستمر بكتابة الرواية، مع أننا نقول ليس هناك زمن للفنون، حيث كل الفنون تتواجد وتتظافر لتثبت وجود الانسان، وميزة الرواية أنها وعاء حامل لكل هذه الفنون، وعن طفولته، ذكر الكاتب عبده خال أنه خرج من قريته حاملاً الكثير من الأساطير الشعبية وإرثاً حكائياً كبيراً من الوالدة، وهذا نتاج التعايش في قرية لم يكن لها وسيلة من التواصل مع العالم إلا من خلال المتخيل الذي لعبت فيه الأسطورة دوراً كبيراً ومهماً. وأشار إلى أن المهتمين بالأنثروبولوجيا يقولون إن العالم يتحرك ضمن مدار ثلاث وعشرين حكاية مهمة تأتي في مقدمتها حكاية آدم وحواء وهبوطهما من الجنة، وأكد قائلاً “بما إننا نتحدث عن المتخيل فالحياة حكاية، ولولا خطيئة آدم وغواية حواء وإبليس لما كنا نتشارك الآن هذا العذاب الوجودي الذي تتناسل منه الحكايات لتثبت أن الحياة حكاية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى