اللبنانيون يريدون قليلا من الحب وقليلا من الفلسفة

توفيق شومان  | مفكّر خبير سياسي لبناني

قيل في زمن الإغريق إن الجمال أرقى مستويات الفلسفة وأعلاها لأن الإله يجمع الجماليات كافة .

والمشتغلون بالفلسفة اليونانية يقولون إن فيثاغورس غدا فيلسوفا بعدما تأمل في الموسيقى طويلا، ويقول أفلاطون إن للفلسفة نظاما وقانونا أخلاقيا، وبعد الفلاسفة الإغريق جاء الفلاسفة الأوروبيون ليقولوا ما لم يقله الإغريق، فرأى شوبنهاور (1788ـ 1860) أن الموسيقى من خلال اختراق الذات فهي تحاكي الجوهر، والفنون الأخرى تحاكي الظلال، فيما يقول نيشته (1843ـ 1900) إن الموسيقى يمكن أن ترفع الإنسان نحو علو نفسه ومجده، وهي سبيل التعرف على الذات، سموا أو رخصا .

وعلى هذه الجادة الجمالية، سار الفلاسفة المسلمون المتصوفون، ومنهم شمس الدين التبريزي (1185 – 1248) وتلميذه النجيب جلال الدين الرومي ( 1206ـ 1273)، حيث يعتبران أن الإستماع الى الموسيقى جولان روحي في عوالم الحب والصفاء، وبعد العودة الى عالم الواقع يغدو الإنسان أكثر تسامحا وعاطفة .

أيضا الفلاسفة المسلمون المتأغرقون والمشاؤون، فلسفوا الموسيقى كعلاج لأمراض نفسية وعضوية مثلما قال الكندي (800 ـ 872) ، وكذلك هي حال الرازي ( 852 ـ 924) الذي يُطيل  شرحا وتفسيرا حول دور الموسيقى بمداواة أصناف وألوان من الأمراض، وفي ” كتاب الموسيقى الكبير”، يقول الفارابي (973ـ 950) إن الموسيقى تجلب البهجة والسرور وراحة النفس، وتوسع من فضاءات المخيلة، وفي كتاب “القانون في الطب” للشيخ الرئيس ابن سينا ( 980 ـ 1037)، ما يفيض من استعمال الموسيقى وسيلة علاجية لأمراض شتى و لا حصر لها.

يتعب أهل السياسة من الفلسفة، هذا معروف ومشهور عنهم، فالفلسفة تدعو إلى التفكير.

الفلاسفة سعوا إلى انتظام الاجتماع البشري بنظام أخلاقي، وجعلوا الأخلاق من أصول الفلسفة بل قاعدة الفلسفة، وتكلم سقراط عن الفضيلة والعدل والصدق، لكن السياسيين يعتبرون السياسة مراوغة وخداعا.

تحدث أفلاطون عن المثال وصاغ “جمهوريته” على هذا الأساس، لكن السياسيين يعتبرون السياسة تمثيلا ولذلك يتراقص أغلبهم أمام الشاشات والعدسات وآلات التصوير، ولكم أن تلاحظوا الفرق بين المثال والتمثيل.

تحدث أرسطو عن المنطق بوصفه قانونا للتفكير السليم، والسياسيون حين ينطقون يظنون أنهم يتمنطقون، فهم يجهلون الفارق بين النطق والمنطق، وحين ينطقون يطيحون بكل قانون، ولذلك يعبثون بالدستور، ويعبثون بالقوانين، ويعبثون بالإدارات العامة، تماما مثلما عبثوا بوطن كان قريب الاكتمال، ولكم أن تلاحظوا مرة ثانية هول الفارق بين المنطق والنطق.

ربما يحتاج أهل السياسة إلى بعض الفن، فبعض الفن يجلب المحبة و يروض الغرائز ولذلك نصح أهل الفلسفة بالموسيقى

وربما يحتاج أهل السياسة إلى بعض الفلسفة، فالفلسفة ترويض على انتظام التفكير وعلى سلامة التفكير .

يا أهل السياسة في لبنان: قليل من الفنون لعلكم تحبون.

قليل من الفلسفة لعلكم تعقلون.

لا يريد اللبنانيون أكثر من ذلك: قليل من الحب وقليل من الفلسفة.

عشتم وعاش لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى