قراءة تحليلية في لوحة ( آكلو البطاطا) لـ فان كوخ

علي جاسم ياسين | ناقد وأديب
الرسام الهولندي المشهور فنسنت فان كوخ، الذي قطع الجزء الأكبر من أذنه اليسرى وأرسلها مع رسالة قصيرة إلى المرأة غابريال برلاتييه، كما ذكرت الناقدة الفنية برناديت مورفي، وفان كوخ خلد هذا الواقعة في لوحة سماها “بورترية شخصي” وهي تعد من بين عشرة أشهر لوحاته مثل لوحة عباد الشمس، ولوحة حقل القمح مع الغربان، ولوحة ليلة مرصعة بالنجوم، وغرفة النوم، وإلخ من اللوحات ومن ضمنهن لوحة (آكلو البطاطا)، والبطاطا في اللغة الهولندية تسمى تفاح الأرض وهي من الوجبات الأكل الأساسية عند أغلبية الهولنديين وإلى الآن.
لوحة آكلو البطاطا لوحة كئيبة بألوانها وهي ألوان داكنة قد هيمنت على كل أجواء اللوحة تقريبا وهي كما يبدو كمحاولة من فان كوخ لجعل اللوحة أن تكون أكثر تعبيرا وأكثر تأثيرا على المشاهد لها، وبالفعل قد نجح في قصده لأنها كانت ألوانا ملائمة وجزءا هاما في اللوحة وعبرت بوضوح عن الحالة النفسية السيئة جدا لفان كوخ في حينه بسبب حالته التي انعكست بقوة على اللوحة ومكوناتها من إنارة باهتة وشخوص وجوهها شاحبة تعاني من سوء التغذية وأيضا تعاني من مزاج نفسي سيء على الأقل لأربعة من شخوص اللوحة.
والشخص الخامس هي الطفلة الصغيرة التي لم نشاهد منها سوى ظهرها ووجودها في اللوحة ربما لا يتعدى كونها الرمز الذي يعبر عن استمرار الحياة، الحياة التي يجب أن تستمر بلا توقف رغم قسوتها ومتاعبها.

فشخوص اللوحة وهم امراتان ورجلان وهم يعانون من التعب والإرهاق والفقر والعوز والاستغلال. وهم يشتغلون من أجل مردود سيء جدا سيء يؤكد على الإجحاف والظلم الذي يتعرضون له رغم تعبهم الفادح ولكن لا يحصلون إلا على طبق من البطاطة المهروسة وطبق آخر من البطاطا المسلوقة فقط. كما نشاهد في اللوحة أحد الرجال وبيده حبة بطاطا يقدمها ربما لزوجته، التي لم تنتبه له لأنها مشغولة بصب القهوة، وأيضا نشاهد المرأة الثانية وهي تنظر إلى زوجها بعطف وشفقة لما هو عليه من ضعف وتعب وهو شارد الذهن.

كل الوجوه في اللوحة تظهر كوجوه شاحبة منهكة عظامها ناتئة تثير الإحساس بالألم وتثير التعاطف معها بسبب الجوع والتعب المضني لهم والمستمر لأصحاب الوجوه الحزينة الذين سيعودون له يوم غد وهم مجبرون، كي يحصلوا على نفس الأجر التافه الذي حصلوا عليه يوم أمس.
وهكذا دواليك تستمر معاناتهم اليومية من أجل مردود تافه وضئيل ومهين لا يضمن لهم حتى حالة الشبع الاعتيادية، بعد نهار كامل من المشقة الباهظة من جراء عملهم في الزراعة والفلاحة، في أراضٍ شاسعة تابعة للملاك الإقطاعيين الشرهين والجشعين الذين استعبدوا الكثير من الفلاحين وأهانوهم بقسوة لا تحتمل، ومع ذلك فإن هؤلاء الفلاحين البسطاء والأميين تحملوا كثيرا لأنهم لا يعرفون أن لهم حقوقا تلزم الآخر وبصرف النظر من هو هذا الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى