الدلالات المعنوية للبنية الصوتية في ” فِلْقَةُ الروح” للشاعرة “رشا السيد أحمد”

باسم عبد الكريم العراقي | العراق

النص .. :

أيا أيها العرفاتي الوسيم

متى كان اصطياد المحار من عينيك يفسد الصوم

و كيف أصوم عن عينيك وكل ما فيها محار يدعوني للغرق ؟؟!

نعم يا فلقة الروح كتبت لك أكثر مما كتبه أبو هريرة

لأنك روح من روحي تباثقت وأذبتها بروحي كما يذاب في كأس الماء الخفيف السكر

لأنك أبديتي المشتهاة التي بروحها أطلت بوشوشاتها الحارقة تفور بدمي رؤى علوية

و فتحت لكَ كتبي العميقة لتعرش بعشبك وزهرك فوق حدائق نبضي , وتجليّتُ كلي نفس تستمع هسيس الحروف الصوفية على اشتهاء القبل تتصعد آيات عشق

وأشرعت سماوتي البعيدة تلتقط من أنفاسك قصص النون , لتتوهج في الوتين حياة

فالعشق مذاهب تفتح لنا أبواب العبور , لفضاء المطلق إن احتل الروح

معلقة عيناك في عيني قناديل تسكب ضيائها في أوردتي على مهل شديد كبهاء نجمة الفجر السعيدة

كالقمر الذي يتراقص فوق سماء ” نهر الألبا ” منشغلا بأثواب النور

بينما أنا هنا أرقب خلخالي العالق في عينيك المنشغلة بالعاصفة التي تجتاح الوطن وأطالع طوقي اللؤلؤي المنفرط فوق حقولك بشغب طفلة مولعة

فيما قلبي يواري وجعه لأخبار الحرب في شامنا منذ سبع سنين عجاف وحتى الرماد

ما زلت أعد حروف قصائدك المرسومة في قلبي نار تناهت بعد تسعر زمن أنتظار , وأشم عطر زهورك تتصعد من حدائقي قواريرا فرنسية المزاج

وفي وجهك أقرأ قصص باذخة الأسرار

تحدثني عن العشق والملكوت الأعلى بينما أغرق في لجتك حد التصوف

فيما فراشة قلبي تقرأ خطيئتنا بسكرة حلم

فتميد بصلصالي نورا يبزغ في كل خلية مني لتنهض العنقاء من اعماقي البعيدة تحلق رهام ضوء معكَ لأبعد سماء ومعك تمضي .

ـ رشا السيد أحمد ـ درزدن . ألمانيا

هامش:
كتبت لك أكثر مما كتب أبي هريرة : هي رسالة موجهة و مشفرة وليست تشبيها

نهر الألبا : نهركبير جدا يمر من شرقي ألمانية حتى البحر غربا

الدراسة:

توطئة:

بنية اللغة الشعرية الحداثوية ، بتحررها من ثنائية (الشكل/ المضمون)، غدت مولِّدةً للدلالات أو موحية بها، والمجال الاشتغالي لدراستي هذه، سيكون احدى بُنى تلك اللغة، وهي البنية الايقاعية، على مستوى حروفها الطاغية اصواتها على الخطاب النصي، وهي بنية مولِّدة للدلالات الموحية بانفعالات الذات الشعورية الداخلية سلباً (توترات عاطفية ، قلق ، هم ، حزن … الخ ) ، أو ايجاباً (مشاعر مقابلة لما مر ذكره)، وتوليد تلك الدلالات تكون وفق الالية الجدلية الاتية:

لفظ (محسوس) / معنى شعوري (ذهني) ، بمعنى ان صوت الحرف، و معناه الشعوريٍّ ، بينهما تعالق استيحائي يحدد المتعاطي معه (كاتب/ قارئ) دلالته المعنوية ، كما يلي :

ــ المتعاطي : الشاعر

الدلالة : استدعاء فونيم / فونيمات (الفونيم اصغر بنية صوتية/ صوت الحرف، ومنها النبر ) متعالقة مع معانيه الشعورية، وتنوب عنها في سياق اشاراته النصية

ــ المتعاطي: قارئ

الدلالة: استدعاء معانٍ شعورية من الخزين الذاكراتي، تتعالق مع فونيمات الاشارات النصية

هذه التوطئة.. تلخص الغرض من دراستي، وآلية اشتغالها التأويلي للبنية الايقاعية للنص، على مستوى

صوت الحرف، وأثره في استدعاء المعاني الشعورية المتعالقة معها ، وصولاً لتحديد المعنى النصي.

الدراسة :

تفكيك عتبة العنوان (فلقة الروح ) :

ـ البنية الصوتية للحروف

أ ـ تتوزع فونيماتها بين:

– حروف مهموسة : الفاء ، القاف ، التاء والحاء

– حروف مجهورة: اللام (الأولى فقط) ، الراء / كونها قمرية الغت صوت اللام قبلها، كما الواو بعدها حرف مد اي انه من حروف الخفاء

ب ـ استيحاء معناها من أصواتها :

سأكتفي بمعاني اصوات المهموسة الشعورية دون المجهورة، ليهمنة اصواتها على فضاء العتبة الايقاعي بنسبة ( 4 : 2 )

الفاء : صدى صوتها يثير معنى الوهن والضعف

القاف: يُلغى كونه ليس شعورياً ( لا يثير اي معنى شعوري )

التاء : الحزن ويوحي بالاعياء

الحاء : الحزن ، الالم والتعب

المقاربة الدلالية: هيمنة الهمس رغم ما تثيره فونيماته من مشاعر الحزن والوهن والالم ،على دواخل الشاعرة ، وتراجع الجهر و التصريح

ـ البنية النحوية :

عدم التصريح يتأكد هنا ، بوجود تلك الازاحة التركيبية / حذف المبتدأ ، وترك امر تقديره للقارئ، وتقديم الخبر (فِلقة) المخصص باضافته (للروح) ، جوازا ( اختياراً اي دون وجود ما يفرض الحذف والتقديم )

ـ البنية الدلالية :

الاشارة فِلْقَة : المعنى اللغوي / القطعة من الشئ وبإضافتها إلى (الروح) يكون معناها : قطعة الروح / باضمار حرف الجر لتكثيف الدلالة

تكون المقاربة المعنوية للمسكوت عنه (المحمول عليه / المبتدأ): الحبيب (بسائر معانيه ) فهو وحده من نخبر عنه (الخبر يُخبر عن المبتدأ ) بأنه بتلك المنزلة من الروح

بذا يكون تركيب جملة العنوان: الحبيب فلقة الروح / اي قطعة منها

باعادة تجميع الدلالات التفكيكية ومقارباتها اعلاه نحصل على التأويل التالي :

سكوت الشاعرة عن الجهر بهوية الحبيب والاشارة اليه همساً ، رغم مايعنيه هذا من بعث للمشاعر المؤلمة الحزينة ، وعدم الابتداء به مع مايحتله من منزلة روحية سامية لدى الشاعرة ، كان اما لغاية داخلية (أسباب ذاتية) ، او لوجود موانع خارجية ( محظورات آخروية / واقعية )

بذا تكون العتبة العنوانية مشفرة ، كأنها هي النص وماعلينا سوى البحث في المتن عن قصدية الهمس والحذف ، الحاضرين بقوة في سياق بنيتها اللغوية ، هل هي رغبتها يعدم اثارة انتباه احد لحبها اياه ( قد يكون حبيباً معنوياً كالوطن مثلاً ) ، او حرصاً منها على حمايته من خطر خارجي يتهدده ؟

العتبة هنا تحولت من كونها مفتاحاً الى شيقرة متعددة الدلالات .

سأتعاطى الان مع متن النص بقراءةٍ نوتيَّةٍ ( نسبة الى النوتة الموسيقية ) :

اصوات الحروف الشعورية لها اصداء في نفوسنا ، تثير فينا شتى المشاعر ، فلكل صوت منها معنى كما اسلفت ، وبالعكس ، فنحن حين نشرع بالكتابة نكون تحت تأثير هواجس او انفعالات ما ، نقوم شعورياً او لاشعورياَ ، بالاسقاط النفسي لهذه المشاعر على ما نستدعيه من مفردات تتناغم اصوات حروفها ( فونيماتها ) او بعضها ، مع مشاعرنا تلك ، وفق جدلية منقلبة عما ذكرته اعلاه فبدلاً من ان يكون الفونيم الباعث للشعور في روعنا ، يختار شعورنا الداخلي الفونيمات المتناغمة معه للايحاء به للاخر / القارئ . تحاشياً للتصريح به ، لسبب موضوعي او ذاتي كما مر بنا . قراءتي الموسيقية للنص ، اظهرت ان الشاعرة وظفت تلك الفونيمات لتؤلف لنا نصاً ( اوبرالي ) نابت فيها اصوات الحروف مناب الراقصين ، لتلعب دور التعبير الايحائي ، عن معنى نصها التحتاني ، لذا ساقوم بتفكيك بنية تلك الفونيمات الشعورية للتعرف على بنية الذات الداخلية للشاعرة التي اختارتها كترجمانٍ لمشاعرها المسكوت عنها / المستوره في اعماقها :

بدءاً ساستبعد الحروف ادناه عن اشتغالي التفكيكي للاسباب المبينة ازاء كل حرف :

ـ لام (أل) التعريف الداخلة على حرف شمسي / لاتلفظ

ـ اللام عموما / صوتها يعتمد على ماقبلها او بعدها من حروف

ـ الراء / السبب السابق

ـ الهمزة ،الدال ، الزاي ،الخاء ، الصاد ،الضاد، القاف ،الواو ،الياء / ليست شعورية ( صوتها غير باعث لمعنى شعوري)

ـ الثاء ، الظاء ، الطاء ، الجيم ، الغين / قلة تكرارها لدرجة عدم تاثير اصواتها في فضاء النص ، وكما يلي ث / 4 مرات ، ظ / مرة واحدة ،ط / 11 مرة ،ج / 10 مرات ، غ / 5 مرات )

ـ حروف المد / يتبدد صوتها بصوت الحروف التي تمدها

الحروف المهيمنة بفونيماتها على فضاء النص خسب الجدول التالي :

الحـــرف | مرات تكرارها | معنى صوتها

التــــــاء | 82 مــــــــرة | الحزن ، الاعياء / مهموس

الحـــــاء | 29 مـــــــــرة | الالم ، التعب ، الحزن ، الشوق ، الحب / مهموس

 الهــــــاء | 23 مـــــــــرة | التعب ، الالم ، اليأس ، الحزن ، / مهموس

الفـــــــاء | 37 مـــــــــرة | الوهن ، الضعف / مهموس

الســـــــين | 21 مـــــــــرة | القلق ، الحُرقة ، رقة / مهموس

الصـــــــاد | 16 مـــــــــرة | مفخمة لصوت السين ، يوحي بالقوة ، النقاء ، الصفاء / مهموس

الشــــــين | 17 مـــــــــرة | التشتت ، البعثرة ، الاضطراب / مهموس

المـــــــيم | 58 مــــــــــرة | الالم ، الحزن ، المعاناة / الوهن / مجهور

النــــــون | 51 مــــــــــرة | ذات المعاني السابقة / مجهور

البـــــــــاء | 44 مــــــــــرة | يوحي بالحيوية والانبثاق / مجهور

العــــــين | 42 مـــــــــــرة | السمو ، الفعالية والاشراق / مجهور

الكـــــاف | 35 مـــــــــــرة | الخشونة ، القوة والفعالية / مجهور

الملاحظ :

ـ عدد مرات تكرار الحروف الشعورية المتعالقة صوتياً مع معاني ( الحزن ،الالم ،القلق ، النقاء

الحب و الشوق ) = 334 مرة { تكرر الهمس بها 225 مرة + الجهر بها 109 مرة )

ـ تكرار الحروف المقابلة لها ( ب / 44 + ع / 42 + ك/ 35 ) = 121 مرة ( 86 جهر+ 35 همس )

الجدول اعلاه مع ما لوحظ عليه تحول الى مفتاحٍ دلالي ، يمكننا من سبر اغوار اعماق معاني النص التحتانية ، مفتاح تولد من اعادة تركيب الدلالات ومقارباتها الناتجة من تفكيكنا اعلاه وكما يلي :

حزن + الم نفسي + شوق + حنين + قلق + تشتت + معاناة + حب = اغتراب نفسي عن حبيب مفتقد

وهذا المفتاح / الاغتراب يتكئ على ثلاث ركائز دلالية :

الاولى ـ ركيزة الوطن باشاراتها : عاصفة ، تجتاح ، الوطن ، اخبار ،الحرب ، شآم ، سبع سنين ، عجاف

الدلالة المعنوية : الحرب المستعرة في سوريا منذ 7 سنوات

الثانية ـ ركيزة الحبيب المفتقد باشاراتها : الملكوت الاعلى ، تحلق معك ، ابعد سماء ، تمضي

الدلالة التأويلية : فقد الحبيب باستشهاده

الثالثة ـ ركيزة الغربة : بتقابل سيرة الشاعرة الذاتية ( ماحوليات النص ) مع العتبتين الزمانية والمكانية للنص الموازي .

باستدعاء تلك السيرة نتعرف ان موطن الشاعر هي سوريا

عتبة النص الزمانية ( تاريخ كتابته ) : 6 / 6 / 2018

عتبته المكانية ( مكان كتابته ) : درزدن ، المانيا / الاشارة المعززة للعتبة المكانية : نهر الألبا

باحالة هذا التاريخ داخليا على الركيزة الاولى اعلاه / سبع سنين : يتوضح ان هذا الوقت مزامنٌ لسني الحرب .

وبمقابلة سوريا ( مكان الشاعرة الاصلي ) / المانيا ( مكان الشاعرة الحالي ) = هجرة / تهجير / نزوح

بتركيب هذه الدلالات :

شاعرة سورية + زمن الحرب السورية + مكان التواجد بعيد عن سوريا = غربة عن الوطن

وباستدعاء الاغتراب السابق ازاء هذه الغربة :

الاغتراب النفسي عن حبيب مفتقد ( بالاستشهاد / بالاحالة على الركيزة الثانية )= غربة عن الوطن

بحذف الاشارات المتشابهة :

الحبيب المفتقد = الوطن

وهو حبيب قلما تجهر بألمها وحزنها لبعدها عنه (ينظر عدد مرات الجهر اسفل جدول الحروف اعلاه )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى