حكايا من القرايا ” أوراق لحّام “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

هو دفتر… لا أدري هو لحساب الديون، أم لتوثيق تواريخ، أم لاستعراض ذكريات وأحداث… إنه مزيج من كل ذلك… إنه دفتر خالي أبو جابر… خالي أبو جابر صاحب ملحمة القرية، ولحّامها الوحيد…

كان يصنف بضاعته، قبل تلحيمها، هذه جدعة بنت سنتها، لحمتها مثل الفزدق، وهاي حايل، ما عشّرت السنة حلال ذبحها، وهذا تيس حولي، بس مش ناصح، وهذا عجل هولندي لحمته بتفت فتّ، وهذا شرري… عليه الدهن… و… و… ياه كنت أراه يفتح فم الشاة وينظر في فمها، وكأنه يكتشف ميلادها وسيرة حياتها بتفقد أسنانها… وأضراسها… ويطلع بنتائح: معها جوز حبّات… مسقطة الحبات… مقلعة النتّاشات… وهكذا… يسننها ويكتشف ممارساتها.

دفتر عمي أبو جابر مليء بالأرقام والحسابات، والملاحظات… نعجة أبو مفلح ربحت خمس ورقات… عجل حامد الأحدب جاب همّو… بيع اللحم بمخسر ولا تبيت وتندم… بينما تجد ورقة دين أبو سردانة: وقيتين لحمة فرمة خشنة، يوم أجا الظيف من الوردية، أبو خالد دفع حق الطراف اللي أخذو… وقال انو ما استوى ع النار… كيلو لحمة بقر مطحونة مع كيلو رز، لطبخ كبة الرز… ووقية للحشوة لحساب الحجة صالحة… يوم أجو نسايب ابنها عندها. ديون… وديون… وكأن الإنسان والديْن توأمان…

في الورقة الجوّانية من الدفتر، نزلت ع السوق أول يوم في المستقرظات، وزفّتنا الدنيا هي الزفّة… النقطة والمزراب واحد… اشتريت العنزة الحمرا، بطنها كبير ما شا الله، متوقع فيها توم. اليوم عرس ابن مصلح الجبارة بدي أنقطه…. ولم نجد رقماً كُتِب… بل وجدنا نقاطاً.

عمي أبو جابر كان قبل ما يذبح، يستقرىء استطلاعات الراي حول استهلاك الذبيحة، ويدرس التوقعات وكمية اللحم التي يمكن بيعها… وهناك قسم في الدفتر بعنوان التواصي:

وقية سخل مدهنة للحجة شريفة، نص السمرا والفشة (للخروف) لأبي الشريف، ليّة وشحم عشان الكُفْرَة (كُفْرَة الطبخة) لمحمد الديري، وقيتان من كتف السخل للحج الأحمر، شوية عظام لطبخة العدس عشان عصبان (الرتشب) لأبي خالد… الطراف… العصاعيص بين ورق الدوالي… وهكذا… وإذ أنسى لا أنسى يوم طوشة الحلقومية مع عمي أبو جابر… سجل عليها وقية ونص لحم، ولما أجت تدفع هو بدّو يدفعها حق لحمة خروف، وهي بتقول والله من سنين ما فات الخروف دارهم… وإنما هي لحمة عجل… ويحاول عمي أن يقنعها: لحمتك مسجلة مع لحم الخروف مش مع دينيّة العجل… وهي مصرة، وهو يقول شو جاب صفحة لحمة العجل  وسجلها بين الخرفان… يومها سب عمي اللحام مهنته، بل سبّ نفسه، وحلف ثلاثة طلاقات ما بوخذ من الحلقومية لا أسود ولا أحمر…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى