الأسس والمبادئ العروضية لما أسمّيه بشعر الوتد

ثناء حاج صالح | ألمانيا
مدخل
إيقاع شعر الوتد لا ينتمي لإيقاع الشعر العمودي ، ولا ينتمي لإيقاع شعر التفعيلة، وإن كان يتقاطع معه ( مع شعر التفعيلة) في بعض الأحكام العروضية التي يفرضها الشكل المشترك للقصيدة المكونة فيهما معاً من أسطر متفاوتة الطول.
 
تعاريف أساسية :
 
1- تعريف التفعيلة :
هي الوحدة الإيقاعية المستخدمة في إيقاع الشعر العمودي والتفعيلي والموشحات، ويجب أن تتضمن التفعيلة على الأقل سبباً واحداً ووتداً مجموعا أصلياً واحدا ، مع إمكانية أن يكون عدد الأسباب فيها اثنين. وهذا يعني أنه عندما يُفتقد أحدهما ويبقى الآخر( السبب أو الوتد) فإن تسمية (التفعيلة ) لا تصح .
 
2- تعريف السبب:
هو مقطع عروضي مكون من حرفين اثنين فقط. ويكون الحرف الأول دائما متحركا، أما الحرف الثاني فهو ساكن في السبب الخفيف ومتحرك في السبب الثقيل. وهناك نوع من الشعر العربي يسمى شعر الخبب يعتمد إيقاعه على توالي الأسباب فقط ويخلو تماما من الوتد .
فلذلك فإننا نقول إن بناء إيقاع الخبب يعتمد على واحدة بناء إيقاعية أصغر من التفعيلة هي السبب بنوعية ( مع إمكانية اقتصاره على أحدهما فقط ) .
 
3-الوتد المجموع الأصيل :
مقطع عروضي يتكون من ثلاثة حروف (ويكون أول حرفين متحركين ثم يليهما حرف ساكن). وقبل أن أقدِم تجربتي الإيقاعية في (شعر الوتد) لم يكن هناك نوع من الشعر العربي يقتصر في إيقاعه على الوتد فقط ، كما هو الحال في إيقاع الخبب الذي يقتصر على السبب فقط.
إذن ، من الناحية النظرية : شعر الوتد هو نظير معاكس لشعر الخبب. فما ينطبق على شعر الخبب من أحكام عروضية يجب أن ينطبق على شعر الوتد . إذن ما هي الأحكام العروضية المشتركة بين الخبب وشعر والوتد من الناحية النظرية ؟
 
أولا- من الناحية النظرية
1- تحديد اسم المقطع العروضي ( وليس التفعيلة ) كواحدة لبناء الإيقاع
كما هو الحال مع الخبب الذي يُقبل بناء إيقاعه من واحدة بناء أصغر من التفعيلة هي السبب بنوعيه ، فيجب أن يكون هذا سارياً ومقبولا في شعر الوتد النظير المقابل لشعر الخبب ، فيقال إن واحدة البناء الإيقاعية فيه هي الوتد وليس التفعيلة.
 
2- تداخل وتقاطع الإيقاع بين شعر الخبب / الوتد من جهة مع تفعيلات البحور المختلفة ( في حالة اتباع لزوم ما لا يلزم ) من جهة أخرى، لا يلغي استقلالية كل منهما إيقاعيا ( شعرالخبب وشعرالوتد ).
والكلام في هذا الأمر يطول ولكن كخلاصة لما يمكن أن يقال، سأطرح مثالا:
 
مثال
يتشابه إيقاع شعر الخبب ببنيته السببية مع تفعيلة بحر الرمل فاعلاتن في حالة زحاف الخبن والتي تصبح فعلاتن ( 3 أسباب) . فإذا أراد أحد الشعراء أن يلتزم زحاف الخبن في كل تفعيلات القصيدة من باب لزوم ما لا يلزم ، فإن محصلة الإيقاع ستكون قصيدة تفعيلة مشتركة الإيقاع بين الخبب وتفعيلة الرمل. ولا يمكن لأحد أن يحكم ويقرر بحكمه تسمية نوع الإيقاع ( هل هو خبب أو هو لزوم ما لا يلزم من فاعلاتن ) إلا بالاستناد إلى قاعدة عروضية واضحة ومعمول بها في علم العروض التقليدي .وهي وجود واحدة بناء إيقاعية فارقة بين الإيقاعين لمرة واحدة على الأقل . وهذه القاعدة يعرفها العروضيون جميعاً . ويطبقونها في حالة الحكم على نوع الإيقاع للتمييز بين البحر الكامل وبحر الرجز، أو بين مجزوء الوافر والهزج . ومفادها : إذا وجدت لمرة واحدة متفاعلن في قصيدة مكونة من 100 بيتا وكل تفعيلاتها مستفعلن إلا واحدة هي متفاعلن . فالحكم الصحيح على إيقاع القصيدة أنها من البحر الكامل . والدليل على ذلك وجود تفعيلة واحدة فيها ( متفاعلن ) . وكذلك الأمر في الحكم على مجزوء الوافرفوجود تفعيلة واحدة مفاعلتن في قصيدة طويلة كل تفعيلاتها مفاعيلن كفيل بترجيح الحكم وإثباته . فالمسألة ليست مزاجية على الإطلاق. بل إن اتباع هذه القاعدة العروضية النافذة هو ما يجب أن يكون فاصلا في الحكم على الإيقاع عندما تتداخل هذه الإيقاعات .
لذا فإن الحكم على إيقاع قصيدتي : هل هي من إيقاع شعر الوتد أو هي من شعر التفعيلة مع لزوم ما لايلزم من زحاف مستفعلن أو مفاعيلن يجب أن يخضع أيضا للقاعدة العروضية التي تستند فقط على وجود وحدة بناء إيقاعية فارقة .
 
ثانياً – من الناحية التطبيقية
 
1- استخدام العلل والزحافات
شعر التفعيلة يحافظ في جوازات التفعيلة التي يستخدمها كواحدة إيقاع على خصائص مواضع الزحافات الأصلية في الشطر العمودي . فتنسحب أحكام مواضع الزحافات إلى السطر في شعر التفعيلة . ومعنى ذلك أنه لا يجوز في شعر التفعيلة أن يقوم الشاعر باستخدام علة القطع التي تتحول بها مستفعلن إلى مستفعل إلا في آخر السطر ، لأن أصل استخدام هذه العلة هو في آخر العجز في الشعر العمودي . لذا فإن استخدام علة القطع داخل السطر في شعر التفعيلة يُعَدُ خطأ عروضيا . وكذلك الأمر فيما يتعلق بالخرم الذي يحدث فقط في أول السطر ..إلخ
وعلى سبيل المثال / يمكن لتفعيلة البحر المتقارب فعولن أن تأتي محذوفة في أخر الشطر في الشعر العمودي (فعُل) ، ولا تأتي كذلك في الحشو . فشاعر التفعيلة لا يستطيع وضعها داخل السطر في قصيدة التفعيلة أيضا . لأن حكم مواضع الزحافات في الشعر العمودي ينسحب على شعر التفعيلة.
ولكن هذا الأمر لن يكون موجودا في شعر الوتد . والقاسم المشترك بين شعر الخبب وشعر الوتد من الناحية التطبيقية هي أنهما لا يتقبلان من الزحافات تغييرات النقص( الحذف) على الإطلاق. فهذا يخل بالبنية الإيقاعية الصافية لكل منهما .
وهذا الكلام سيتم تطبيقه على إيقاع شعر الوتد بالقياس إلى نظام الإيقاع في شعر الخبب الذي لا يقبل السبب فيه زحاف النقص. والقاسم المشترك بين الخبب وشعر الوتد هو أنهما لا يقبلان من كل الزحافات سوى زحاف التذييل في آخر السطر ( كما هو معمول به في قصيدة الخبب التفعيلية ).
 
2- الحكم على إيقاع شعر الوتد
قصيدة شعر الوتد ستأخذ شكل قصيدة التفعيلة من حيث تفاوت طول الأسطر إيقاعيا.
ولكن الحكم على إيقاعها المكون من أوتاد وليس تفعيلات يعتمد على وجود أسطر تتضمن عدداً فردياً من الأوتاد مع امتناع التدوير .
فما الذي أقصده بقولي : “مع امتناع التدوير ” ؟
التدوير جائز في شعر الوتد كما هو في شعر التفعيلة ولكن شرط التدوير أن تنتهي الكلمة الأولى بحرف متحرك وهذا صعب الحدوث في شعر الوتد . لكن التدوير يكون مستحيلا ويمتنع عندما ينتهي الوتد في حالة التذييل بحرف ساكن زائد أو إضافي . فهنا يتعذر التدويرويمتنع لأن التذييل يقتضي انتهاء المقطع العروضي ( الوتد) مع انتهاء الكلمة فهنا نهاية مضاعفة تجعل التدوير مستحيلا.
لذا فإن وجود عدد فردي من الأوتاد في السطر مع امتناع التدوير هو دليل قاطع وكافٍ للحكم على إيقاع القصيدة بأنه وتدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى