قراءة متوترة في مسمار حكمت حسن

عمر سعيد | روائي وأديب لبناني

تلفت انتباه القارىء في ديوان الشاعرة اللبنانية حكمت حسن (مسمار الصادر عن دار نلسن) عنواين القصائد التي نبتت من قسوة عنوان الغلاف، إشارة منها جميعا لحجم التماسك الذي نحتاجه لمواجهة الألم الذي نكابده في تجربة الحياة، ومن هذه العناوين: تداع، حاجز، مساحات صخرية، جاذبية، ذنب، رمح، صراخ، حجارة، من دون رماد وفناء.

ينطلق القارىء في رحلة صراع بين الروح والمادة في قصيدة جاذبية، حيث تبدو الآثار مؤقتة، ليتحقق السقوط القسري والإرغامي في قصيدة خصب، لأن الحب ممر الجسد إلى الجسد؛ ولكن عبر العينين في زائر، إذ نضطر إلى التواري من مطاردنا الشرس وهادم اللذات في ذئب، حيث يواري الرمز في قصائدها خلف تكثفه دمع العشق وقتلاه.

تحت مساحات صخرية كلما تهاوت قيمة الجمال أمام جمادية حجر لا يتأثر بإيقاع الحياة، ولا يبالي بتهالك الرقة والعذوبة أمام جموديته، و خلف ضباب تتجلى جمالياته باختراقات شعاع الأمل الأحمر المبشر بالحياة على الرغم من أن ظلالنا المادية، تتلاشى في أبعاد الواقع ، ليجتمع الليل والنار والزمن في صدى، عندما يتراكم الشوق، ليبدو اتحاد الاجساد محسوساً مادياً، لا يمكن إدراك كنهه إلا بالتسامي والنقاء.

ويحتم علينا الدخول في توأمة الروح انفصالا ينسلخ عن الوجع ويتفتق عن عصب الإنسان، لتلاقى فكرة الاتحاد الكونية عبر الدخول في نجم خاص بكل منا نحن القراء، ليصبح الإصرار على العيش وقوفاً أبرز حالات الولوج في متعة صافية ، كلما تراكمت علينا ضريبة الدم التي ندفعها جراء أيغال مسامير الحقيقة في جغرافيا الوجع اليومي.

ليظل التوحد خطاً رقيقاً يمسك بكل نواصي القصائد في مسمار، حيث تنكشف رغبة عن حاجة العودة إلى البدء، إلى مواطن حارسة الماء الأولى التي تمطر قصائدها على حقول الجراح الممزقة بالجفاف، إذ لا جدوى من حياة إنسانها الدخان عبر كلام يتسرب من لاشيء في اللاشيء، لنفتقد غيبيات كانت تبدو فيه.

هناك يسابق الألم فرح الطفولة مع تكور الأحلام مساحات يد في قرار ، بعد أن يجثم الوقت على الروح خفة، و يحضر الحب فجراً في صراخ ليلكي، وقد غادرنا زمن الولادة الثقيل، فيحاصر دمع ولوعة تلك اللقاءات بالرحيل.

ويطل أيلول بتحطم كل الولادات الخضراء ويتوارى الحب في ضياع الأعمار، أثناء مسيرنا الثقيل بين السماء وترابيتنا كلما مضينا في التهام الأنفس..

وعلى الرغم من مقاومة إرادة البحث عن خلاص، لا تنضج الحياة إلا تحت تراكمات التهديد اليومي بالموت، ليظل خيط الأمل متشابكا بأصابعنا كلما تراكمت فينا انهيارات، فتنتصب خطوط دفاع في رصاصات إعدام تخترق جسد ريحانة جباري التي اغتالت غداً أقصت فيه عنها أمسها المقتول، وقد تجرعت فيه طعم خسارتها بري المذاق، مفضلة نقص التكامل على اتمام المهانة؛ التي تتجرعها من مياه نار تظل تلتهم إبراهيم ما بقيت النار وما بقي عطشه المبلل بغير الماء، ليظل اتحاد الفكر أعظم لقاءات الأجساد المسكون بالروح.

ونكتشف في مسمار أن بقايا الجراح ندوباً في جسد مجفف من الروح، إلا أنها أوشام تميز روح حكمت حسن المعبدة بالحب والسلام والنقاء، فكلما تهدم منها قلب أشادت مكانه عرشاً من البخور تظلله بعرائش من خيال، لتكمل مسيرتها عبر النور محملة بالنسائم تتتبع آثار الحياة صوب ولادات لا متناهية، وتستأنس الوقوف على جناح فزاعة الطيور، بانتظار الشبه الحقيقي الذي يحقق اكتمالها الأبدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى