حب الخير للغير.. قيمة إيمانية غائبة

دكتور عادل المراغي | من علماء الأزهر الشريف

محبَّةُ الخير للناسِ موهبةٌ ربَّانيَّةٌ،ومنحة إلاهية وعطاءٌ مباركٌ دليل على سلامة الصدر والصفاء والنقاء يقول ابنُ عباسٍ متحدِّثاً بنعمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ: (فيَّ ثلاثُ خصالٍ: ما نزل غيثٌ بأرضٍ، إلاَّ حمدتُ الله وسُررتُ بذلك، وليس لي فيها شاةٌ ولا بعيرٌ. ولا سمعتُ بقاضٍ عادلٍ، إلاَّ دعوتُ الله له، وليس عنده لي قضيَّةٌ، ولا عَرَفتُ آيةً منْ كتابِ اللهِ، إلاَّ ودِدتُ أنَّ الناس يعرفون منها ما أعرفُ.) ولله در الشاعر:
‏ولي إن هاجَتِ الأحقادُ قلبٌ
كقلبِ الطفلِ يغتفِرُ الذُّنوبَا

///
أودُّ الخيرَ للدنيا جميعًا
وإن أكُ بين أهْلِيها غريبا

///
إذا ما نعمةٌ وافت لغيري
فرحت كأنّ لي فيها نصيبا

///
تفيض جَوانحي بالحبِّ حتى
أظنّ الناسَ كلّهُمُ حبيبا

إنه حُبُّ الخيرِ للناسِ، وإشاعةُ الفضيلةِ بينهمْ وسلامةُ الصَّدرِ لهمْ، والنَّصْحُ كلُّ النصحِ للغير يقولُ الشاعرُ :
فلا نزلتْ علىَّ ولا بأرضي سحائِبُ ليس تنْتَظِمُ البلادا

المعنى: إذا لم تكنِ الغمامةُ عامَّةً، والغيْثُ عامّاً في الناسٍ، فلا أريدُها أنْ تكون خاصَّةً بي، فلستُ أنانيّاً {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}.
ولقد ضرب حاتم الطائي أروع الأمثلة فى حب الخير للغيرحيث يقول وهو يتحدَّثُ عنْ رُوحِه الفيَّاضةِ، وعن خلقِهِ الجمِّ:
أما والذي لا يعلمُ الغيب غيرُهُ

ويُحْيي العِظام البيض وهْي رميمُ

///
لقدْ كنتُ أطوِي البطن والزَّادُ
يُشتهى مخافة يومٍ أن يُقالَ لئيمُ
ولقد حث الإسلام على حب الخير للغير وجعل هذه الخصة من علامة كمال الإيمان.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وهذا الحديث أصل عظيم في المحبة والنصح والإيثار ومعاملة الغير كمعاملة النفس، ومعنى قوله «لا يؤمن أحدكم» نفي لكمال الإيمان ونهايته والمراد لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان وكماله حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، قال الإمام أحمد: لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير، والنفي قد يكون لأصل الإيمان لانتفاء بعض أركانه، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، «سورة النساء: الآية 65». أو نفي لكمال الإيمان الواجب لانتفاء بعض واجباته قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه»، أو نفي لكمال الإيمان المستحب لانتفاء بعض مستحباته قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى تحقيق مبدأ التكافل والإيثار، وبيّن عوامل كمال الإيمان في حب الإنسان للآخرين حصول الخير الذي يحبه لنفسه، من حلول النعم وزوال النقم، وقال العلماء إن تحقيق هذا الكمال يتطلب سموا في التعامل، ورفعة في الأخلاق مع الغير. ودل الحديث على أن الإيمان المستحب أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه، فيأتيه بما يحب أن يؤتى به ويمنع عنه ما يحب أن يمنع عنه من الأذى وينصح له ويجتهد في أداء حقوقه واحترامه وتقديره والنظر في مصالحه. ومن تحلى بهذه الخصلة العظيمة كان مستحقاً لدخول الجنة، قال يزيد القسري إن رسول الله قال لي: «أتحب الجنة قلت نعم قال فأحب لأخيك ما تحب لنفسك»، فلما كان المسلم محسنا لإخوانه مشفقاً عليهم حريصاً على نفعهم جازاه الله بالإحسان في الآخرة، وإنما يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها من رُزق سلامة الصدر، ومن كان قلبه خالياً من الغل والغش والحسد سَره ما سَر أخاه وساءه ما ساء أخاه، ومن كان يحمل في قلبه الغل فإنه يمنع من هذا الخير لمنافاته لما في قلبه من السوء.

ثمرات حب الخير للغير

– اكتمال الإيمان جعل الله سبحانه وتعالى حب الخير للناس أحد الدلائل على رسوخ الإيمان واكتماله عند المسلم، فعندما يحب الإنسان الخير لغيره تصبح أخلاقه عالية وسامية، ويكون متغاضياً عن الهفوات وصغائر الأمور.
– القرب إلى الجنة بعمل الخير للآخرين يفوز الإنسان برضى الله تعالى، ويدخل الجنة من أوسع أبوابها، والدليل على ذلك ما روي عن رسول الله عليه السلام، حيث قال: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) [رواه أحمد].

– اكتساب حب الناس عندما يحب الله سبحانه عبداً، يقذف حبه في قلوب المحيطين فيه، وبالتالي فإنّه سيسعد في حياته الدنيا، والآخرة. تعويد النفس على حب الخير الإلحاح على الله سبحانه وتعالى في الدعاء، وطلب العون منه، وذلك حتى يصبح الإنسان محبّاً لغيره. ®الدعاء للأقارب، والأصدقاء، والآخرين بالخير في ظهر الغيب، كالصلاح في الدنيا والآخرة، وتوسيع الرزق، والمباركة في الصحة والمال، وغيرها من الأمور التي يرضاها الإنسان ويحبّها لنفسه. تذكير النفس بشكلٍ مستمر بأن الإيمان لا يصبح كاملاً وصحيحاً إلا بحبّ الخير للآخرين.
– دعم النفس وتشجيعها على المحبّة، والمودّة، وسؤالها بشكلٍ متكرر فيما إذا كانت السعادة الحقيقية هي في العيش بسلامٍ وحبّ مع المحيطين، أم بالتعالي والتفوق عليهم.
– التصدي لكافة المشاعر أو الأحاسيس السلبية التي تداخل النفس، وتمنعها من الشعور بالفرح في حالة حدوث أمرٍ جيد مع الآخرين، حيث يجب على الإنسان المسلم الدعوة لغيره بالخير والبركة، والمباركة له على مناسباته السعيدة.
– قراءة سير السلف الصالح، والتعلم من قصصهم في بذل المعروف، ومساعدة الآخرين. مصاحبة أصحاب الخير، والأمر بالمعروف، والنهي على المنكر، وتجنب سيئي الأخلاق.
– القيام بأعمال الخير حسب القدرة، والتي تهدف إلى انتشال الآخرين من الضيق، وإشعارهم بالسعادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى