كيف تسبك  كلامك وتحبكه ؟

هدى مصطفى محمد | أستاذ المناهج وطرق التدريس – كلية التربية بسوهاج

 

نستمع إلى كلمتي السبك والحبك في كلامنا عامة، فنقول الطعام المسبك ونقول لمن يتحدث أسبك كلامك، ونقول القصة محبوكة ونقول لمن يحكي لنا أحداثاً مكذوبة أحبك الأحداث.

فما دلالة لفظي السبك والحبك؟ وما علاقتهما بالصحة اللغوية التي تأتي في مقدمة أهداف تدريس اللغة العربية؟

ببساطة شديدة ليكون كلامنا ولغتنا صحيحة يجب أن يكون نصنا اللغوي متماسكاً. ويرى اللغويون أن تماسك النص له عنصران هما: السبك والحبك، أو الاتساق والانسجام.

والسبك في اللغة الإذابة والتخلص من الخبث ثم الإفراغ في قالب؛ فالسبيكة كتلة مصبوبة على صورة معلومة. والاتساق من الوسوق وهو في قوله تعالى ” فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) ) سورة الانشقاق ) ما وسق أي  ما جمع وضم بمعنى ما دخل فيه الليل وما ضم ، فالوسق ضم الشيء إلى الشيء.

والحبك في اللغة الإحكام وحبك الأمر أحسن تدبيره. والانسجام من مادة سجم يقال سجمت العين الدمع والسحابة المطر وهو قطران الدمع وسيلانه قليلاً أو كثيرًا.  وهذه المعاني من الانصباب والصب والسيلان كلها تتصل بمعنى الانسجام، فتوالي انصباب قطرات المطر يؤدي إلى تجمع الماء، والانسجام في النص تجميع المعاني؛ مما يؤدي إلى وحدة النص الدلالية وتوحيد المعنى المراد إيصاله.

والسبك أو الاتساق يتعامل مع ظاهر النص وهي المباني اللغوية الظاهرة من كلمات مرتبة ترتيبًا معينًا؛ لتكوين تراكيب لغوية تتفق والصحة اللغوية وبذلك فهي تأتي ذات سبك أو متسقة.

أما الحبك أو الانسجام فهو يتعامل مع عناصر النص، ومكوناته الداخلية، وبين هذه العناصر والبيئة المحيطة. وبذلك فهو يهتم بالمضمون ولذلك نطلق على ترتيب عناصر القصة ( حبكة درامية) لأنها تتعامل مع مكونات القصة الداخلية ( المقدمة – العقدة – الحل ) وتحقق الانسجام بينها. وعندما يطلب الانسجام من المتلقي فيراد به النظر إلى علاقات خفية قائمة داخل النص المراد دراسته ، فيهتم بترابط المفاهيم والعلاقات الدلالية المتحققة داخل النص .

 ويمكن القول إن الانسجام أعم وأعمق من الاتساق ، والمعاني اللغوية ليست بعيدة بل تتفق مع المعاني الاصطلاحية .

وقد اتخذ الجاحظ في كتابه “البيان والتبيين” السبك شرطاً لانتظام الشعر فقال ” وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج، فتعلم بذلك انه أفرغ إفراغًا واحدًا وسبك سبكًا واحدًا فهو سهل المخارج يجري على اللسان كما يجري الدهان”.

ومن أدوات السبك : الإحالة ، والاستبدال ، والحذف ، والعطف ، والاتساق المعجمي كالتكرار والانتظام .  وبذلك فهو يكون في النص ذاته. أما الحبك أو الانسجام فيرى البعض أنه يتحقق في النص ذاته من خلال ترابط المعلومات وعدم انقطاعها، كما يتحقق في نفس المتلقي من خلال معارفه السابقة وبذلك فهو يرتبط بعلوم أخرى ومدى التوافق معها، فالمتلقي يصنف ما لديه من معلومات ترتبط بالنص وبذلك يكشف انسجام النص من عدمه ومما يساعد على الانسجام السياق والبنية الخطابية والمناسبة.

 فالسبك أكثر اهتمامه بالقواعد النحوية والتعبير ومهاراته والإملاء وقواعدها، أما الحبك فاهتمامه بمدى المقبولية للأفكار ومدى منطقيتها وترتيبها ومناسبتها لطبيعة الموضوع .

وختاماً: إذا أنت راعيت أن لكل مقام مقال ورتبت أفكارك فهذا حبك أو انسجام وإذا راعيت القواعد اللغوية فهذا سبك أو اتساق، وكلامنا يجب أن يكون ذا سبك وحبك حتى يكون مقبولاً وصحيحاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى