لماذا ” مصر هبة النيل ” ؟

فريدة شعراوي | باحثة في التاريخ والمصريات

 

رغم انتشارها منذ أن قالها “هيرودوت”، غاب عنها جانب مهم، فهي إن دلت على المقوم الطبيعى الأهم في قيام الحضارة المصرية القديمة، إلا أنها أغفلت المقوم البشري الذى قامت على أكتافه تلك الحضارة العريقة.

فنهر النيل لا شك كان عاملا مؤثرا لا غنى عنه في قيام الحضارة في مصر القديمة منذ أقدم العصور، حيث أدى لاستقرار الإنسان حوله وتعلم الزراعة ومن ثم قيام القرى والمدن .

إلا أنه من جانب آخر فهو نهر يجرى عبر مناطق أخرى من منبعه وحتى يصل لمصر، فلماذا لم تقم في تلك المناطق حضارات قديمة زاهرة بنفس القدر؟ الجواب هو الإنسان المصري.

و منذ استقرار الإنسان المصري القديم، حول ضفاف نهر النيل، بدأ في التكاتف للاستفادة القصوى منه، سواء ببناء الجسور عليه أو بالتحكم في مجراه عن طريق شق الترع لتوجيه المياه لرى أراضي بعينها أو لجعلها وسيلة نقل وانتقال أو لحمايته من قوة الفيضان، ومن ثم فكان حفر الترع من الأمور البارزة في الحضارة المصرية.

فإذا طالعنا مفردات الكتابة المصرية فسنجد علامات تدل على الترع، حيث تصوران قناة ري، وأخرى تصور مجموعة من القنوات معا، وتستخدم بمعنى إقليم، وهو ما يدل على أهمية أخرى للقنوات فى مصر باعتبارها تمثل الحدود بين الأقاليم المصرية القديمة.

 وبلغ من اهتمام الدولة بحفر القنوات أن أقدم ألقاب حاكم الإقليم فى مصر القديمة هو لقب “عج مر” وهو ما يترجم بـ”القائم على حفر الترع” مما يدل على أهمية هذا العمل لدرجة أن يكون العمل الأساس لحاكم الإقليم هو الإشراف على حفر الترع كما ظهرت أداة الحفر كأحد علامات الكتابة المصرية القديمة.

وفيما يتعلق بالأدلة الأثرية، فمن أقدم الأمثلة التي تشير لذلك ما صور على مقمعة الملك العقرب فى عصر ما قبل الأسرات، وكان آخر الملوك قبل الملك “نعرمر”. وقد حكم حوالى عام 3200 ق.م. حيث صور الملك واقفا بتاج الصعيد الأبيض، ممسكا بفأس كبيرة يهم أن يضرب بها الأرض ليشق قناة، وأمامه رجل يحمل سلة بها تراب من الأرض، وآخر يقدم للملك حزمة من السنابل، وصور حوله مجموعة من القنوات وعدد من الأتباع، بما يشير إلى افتتاح مشروع مائى مهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى